ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم
ويوم نحشرهم : منصوب بمحذوف ، أي : واذكر يوم نحشرهم ، أو : يوم نحشرهم ، قلنا : يا معشر الجن ، أو : ويوم نحشرهم ، وقلنا : يا معشر الجن كان ما لا يوصف لفظاعته ، والضمير لمن يحشر من الثقلين وغيرهم ، والجن هم الشياطين قد استكثرتم من الإنس : أضللتم منهم كثيرا ، أو جعلتموهم أتباعكم ، فحشر معكم منهم الجم الغفير ، كما تقول : استكثر الأمير من الجنود ، واستكثر فلان من الأشياع وقال أولياؤهم من الإنس : الذين أطاعوهم ، واستمعوا إلى وسوستهم ربنا استمتع بعضنا ببعض أي : انتفع الإنس بالشياطين ; حيث دلوهم على الشهوات وعلى أسباب التوصل إليها ، وانتفع الجن بالإنس ; حيث أطاعوهم ، وساعدوهم على مرادهم وشهوتهم في إغوائهم ، وقيل : استمتاع الإنس بالجن ما في قوله : وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ، وأن الرجل كان إذا نزل واديا ، وخاف ، قال : أعوذ برب هذا الوادي ، يعني به : كبير الجن ، واستمتاع الجن بالإنس : اعتراف الإنس لهم بأنهم يقدرون على الدفع عنهم ، وإجارتهم لهم وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا : يعنون : "يوم البعث" ، وهذا الكلام اعتراف بما كان [ ص: 396 ] منهم من طاعة الشياطين ، واتباع الهوى ، والتكذيب بالبعث ، واستسلام لربهم ، وتحسر على حالهم خالدين فيها إلا ما شاء الله أي : يخلدون في عذاب النار الأبد كله ، إلا ما شاء الله ، إلا الأوقات التي ينقلون فيها من عذاب النار إلى عذاب الزمهرير ، فقد روي أنهم يدخلون واديا فيه من الزمهرير ، ويميز بعض أوصالهم من بعض ، فيتعاوون ويطلبون الرد إلى الجحيم ، أو يكون من قول الموتور الذي ظفر بواتره ، ولم يزل يحرق عليه أنيابه ، وقد طلب إليه أن ينفس عن خناقه ، أهلكني الله إن نفست عنك إلا إذا شئت ، وقد علم أنه لا يشاء إلا التشفي منه بأقصى ما يقدر عليه من التعنيف والتشديد ، فيكون قوله : "إلا إذا شئت" ، من أشد الوعيد ، مع تهكم بالموعد ; لخروجه في صورة الاستثناء الذي فيه إطماع إن ربك حكيم : لا يفعل شيئا إلا بموجب الحكمة ، "عليم" : بأن الكفار يستوجبون عذاب الأبد .