وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون
أمم أمثالكم : مكتوبة أرزاقها ، وآجالها ، وأعمالها كما كتبت أرزاقكم ، وآجالكم ، وأعمالكم ما فرطنا : ما تركنا ، وما أغفلنا في الكتاب : في اللوح المحفوظ من شيء : من ذلك لم نكتبه ، ولم نثبت ما وجب أن يثبت مما يختص به ثم إلى ربهم يحشرون : يعني : الأمم كلها من الدواب والطير فيعوضها وينصف بعضها من بعض ، كما [ ص: 343 ] روي أنه يأخذ للجماء من القرناء .
فإن قلت : كيف قيل : إلا أمم مع إفراد الدابة والطائر؟
قلت : لما كان قوله تعالى : وما من دابة في الأرض ولا طائر : دالا على معنى الاستغراق ومغنيا عن أن يقال : وما من دواب ولا طير ، حمل قوله : إلا أمم على المعنى .
فإن قلت : هلا قيل : وما من دابة ولا طائر إلا أمم أمثالكم؟ وما معنى زيادة قوله : في الأرض و يطير بجناحيه .
قلت : معنى ذلك : زيادة التعميم والإحاطة ، كأنه قيل : وما من دابة فقط في جميع الأرضين السبع ، وما من طائر قط في جو السماء من جميع ما يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ، محفوظة أحوالها ، غير مهمل أمرها .
فإن قلت : فما الغرض في ذكر ذلك؟
قلت : الدلالة على عظم قدرته ، ولطف علمه ، وسعة سلطانه ، وتدبيره تلك الخلائق المتفاوتة الأجناس ، المتكاثرة الأصناف ، وهو حافظ لما لها وما عليها ، مهيمن على أحوالها ، لا يشغله شأن عن شأن ، وأن المكلفين ليسوا بمخصوصين بذلك دون من عداهم من سائر الحيوان .
وقرأ " ولا طائر" ، بالرفع على المحل ، كأنه قيل : وما دابة ولا طائر . ابن أبي عبلة :
وقرأ ما فرطنا " بالتخفيف . علقمة : "