يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نـزل على رسوله والكتاب الذي أنـزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا
[ ص: 163 ] يا أيها الذين آمنوا خطاب للمسلمين ، ومعنى "آمنوا" : اثبتوا على الإيمان وداوموا عليه وازدادوه والكتاب الذي أنزل من قبل المراد به جنس ما أنزل على الأنبياء قبله من الكتب ، والدليل عليه قوله : وكتبه [و] قرئ : "وكتابه" على إرادة الجنس ، وقرئ : "نزل" . "وأنزل" ، على البناء للفاعل ، وقيل : الخطاب لأهل الكتاب ، لأنهم آمنوا ببعض الكتب والرسل وكفروا ببعض ، وروي : أنه لعبد الله بن سلام ، وأسد وأسيد ابني كعب ، وثعلبة بن قيس ، وسلام ابن أخت عبد الله بن سلام ، وسلمة ابن أخيه ، ويامين بن يامين ، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : يا رسول الله ، إنا نؤمن بك وبكتابك وموسى والتوراة وعزير ونكفر بما سواه من الكتب والرسل ، فقال - عليه السلام - : "بل آمنوا بالله ورسوله محمد وكتابه القرآن وبكل كتاب كان قبله" ، فقالوا : لا نفعل ، فنزلت ، فآمنوا كلهم ، وقيل : هو للمنافقين ، كأنه قيل : يا أيها الذين آمنوا نفاقا آمنوا إخلاصا . فإن قلت : كيف قيل لأهل الكتاب : والكتاب الذي أنزل من قبل وكانوا مؤمنين بالتوراة والإنجيل؟ قلت : كانوا مؤمنين بهما فحسب ، وما كانوا مؤمنين بكل ما أنزل من الكتب ، فأمروا أن يؤمنوا بالجنس كله ، ولأن إيمانهم ببعض الكتب لا يصح إيمانا به ، لأن طريق الإيمان به هو المعجزة ، ولا اختصاص لها ببعض الكتب دون بعض ، فلو كان إيمانهم بما آمنوا به لأجل المعجزة لآمنوا به كله ، فحين آمنوا ببعضه علم أنهم لم يعتبروا المعجزة ، فلم يكن إيمانهم إيمانا ، وهذا الذي أراد عز وجل في قوله : ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا [النساء : 150] . فإن قلت : لم قيل "نزل على رسوله" و "أنزل من قبل"؟ قلت : لأن القرآن نزل مفرقا منجما في عشرين سنة ، بخلاف الكتب قبله ، ومعنى قوله : ومن يكفر بالله الآية ، ومن يكفر بشيء من ذلك فقد ضل لأن الكفر ببعضه كفر بكله . ألا ترى كيف قدم الأمر بالإيمان به جميعا .