ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا
أسلم وجهه لله : أخلص نفسه لله وجعلها سالمة له لا تعرف لها ربا ولا معبودا سواه وهو محسن : وهو عامل للحسنات تارك للسيئات حنيفا حال من المتبع ، أو من إبراهيم كقوله : بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين [البقرة : 135] وهو الذي تحنف أي : مال عن الأديان كلها إلى دين الإسلام واتخذ الله إبراهيم خليلا : مجاز عن اصطفائه واختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله ، والخليل : المخال ، وهو الذي يخالك أي : يوافقك في خلالك ، أو يسايرك في طريقك ، من الخل : وهو الطريق في الرمل ، أو يسد خللك كما تسد خلله ، أو يداخلك خلال منازلك وحجبك . فإن قلت : ما موقع هذه الجملة؟ قلت : هي جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب ، كنحو ما يجيء في الشعر من قولهم [من الكامل] :
والحوادث جمة
فائدتها تأكيد وجوب اتباع ملته ، لأن من بلغ من الزلفى عند الله أن اتخذه خليلا ، كان جديرا بأن تتبع ملته وطريقته ، ولو جعلتها معطوفة على الجملة قبلها لم يكن لها [ ص: 154 ] معنى ، وقيل : إن إبراهيم - عليه السلام - بعث إلى خليل له بمصر في أزمة أصابت الناس يمتار منه . فقال خليله : لو كان إبراهيم يطلب الميرة لنفسه لفعلت ، ولكنه يريدها للأضياف ، فاجتاز غلمانه ببطحاء لينة فملئوا منها الغرائر حياء من الناس . فلما أخبروا إبراهيم - عليه السلام - ساءه الخبر ، فحملته عيناه وعمدت امرأته إلى غرارة منها فأخرجت أحسن حوارى ، واختبزت واستنبه إبراهيم - عليه السلام - فاشتم رائحة الخبز ، فقال : من أين لكم؟ فقالت امرأته : من خليلك المصري . فقال : بل من عند خليلي الله عز وجل ، فسماه الله خليلا .