الماء الذي تشربون يريد: الماء العذب الصالح للشرب. و "المزن" السحاب: الواحدة مزنة. وقيل: هو السحاب الأبيض خاصة، وهو أعذب ماء "أجاجا" ملحا زعاقا لا يقدر على شربه. فإن قلت: لم أدخلت اللام على جواب "لو" في قوله: لجعلناه حطاما [الواقعة: 65]. ونزعت منه ههنا؟ قلت: إن "لو" لما كانت داخلة على جملتين معلقة ثانيتهما بالأولى تعلق الجزاء بالشرط، ولم تكن مخلصة للشرط كإن ولا عاملة مثلها، وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقا من حيث إفادتها في مضموني جملتيها أن الثاني امتنع لامتناع الأول: افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علما على هذا التعلق، فزيدت هذه اللام لتكون علما على ذلك، فإذا حذفت بعد ما صارت علما مشهورا مكانه، فلأن الشيء إذا علم وشهر موقعه وصار مألوفا ومأنوسا به: لم يبال بإسقاطه عن اللفظ، استغناء بمعرفة السامع. ألا ترى إلى ما يحكى عن أنه كان يقول: خير، لمن قال له: كيف أصبحت؟ فحذف [ ص: 35 ] الجار لعلم كل أحد بمكانه. وتساوي حالي حذفه وإثباته لشهرة أمره. وناهيك بقول أوس [ ص: 36 ] رؤبة
حتى إذا الكلاب قال لها كاليوم مطلوبا ولا طلبا
وحذفه "لم أر" فإذن حذفها اختصار لفظي وهي ثابتة في المعنى، فاستوى الموضعان بلا فرق بينهما; على أن تقدم ذكرها والمسافة قصيرة مغن عن ذكرها ثانية ونائب عنه. ويجوز أن يقال: إن هذه اللام مفيدة مغنى التوكيد لا محالة، فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب، للدلالة على أن أمر المطعوم مقدم على أمر المشروب، وأن الوعيد بفقده أشد وأصعب، من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعا للمطعوم. ألا ترى أنك إنما تسقي ضيفك بعد أن تطعمه، ولو عكست قعدت تحت قول "من الوافر": أبي العلاءإذا سقيت ضيوف الناس محضا سقوا أضيافهم شبما زلالا