وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما
"و " اذكر حين وإذ أخذنا من النبيين جميعا "ميثاقهم " بتبليغ الرسالة والدعاء إلى الدين [ ص: 52 ] القيم "ومنك " خصوصا ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وإنما فعلنا ذلك "ليسأل " الله يوم القيامة عند تواقف الأشهاد المؤمنين الذين صدقوا عهدهم ووفوا به ، من جملة من أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا : بلى عن صدقهم عهدهم وشهادتهم ، فيشهد لهم الأنبياء بأنهم صدقوا عهدهم وشهادتهم وكانوا مؤمنين . أو ليسأل المصدقين للأنبياء عن تصديقهم ; لأن من قال للصادق : صدقت ، كان صادقا في قوله . أو ليسأل الأنبياء ما الذي أجابتهم به أممهم . وتأويل مسألة الرسل : تبكيت الكافرين بهم ، كقوله : أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله [المائدة : 116 ] . فإن قلت : لم قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم - على نوح فمن بعده ، قلت : هذا العطف لبيان فضيلة الأنبياء الذين هم مشاهيرهم وذراريهم ، فلما كان محمد صلى الله عليه وسلم أفضل هؤلاء المفضلين : قدم عليهم لبيان أنه أفضلهم ، ولولا ذلك لقدم من قدمه زمانه . فإن قلت : فقد قدم عليه نوح عليه السلام في الآية التي هي أخت هذه الآية ، وهي قوله : نوحا والذي أوحينا إليك شرع لكم من الدين ما وصى به [الشورى : 13 ] ثم قدم على غيره . قلت : مورد هذه الآية على طريقة خلاف طريقة تلك ، وذلك أن الله تعالى إنما أوردها لوصف دين الإسلام بالأصالة والاستقامة فكأنه قال : شرع لكم الدين الأصيل الذي بعث عليه نوح في العهد القديم ، وبعث عليه محمد خاتم الأنبياء في العهد الحديث ، وبعث عليه من توسط بينهما من الأنبياء المشاهير . فإن قلت : فماذا أراد بالميثاق الغليظ ؟ قلت : أراد به ذلك الميثاق بعينه . معناه : وأخذنا منهم بذلك الميثاق ميثاقا غليظا . والغلظ : استعارة من وصف الأجرام ، والمراد : عظم الميثاق وجلالة شأنه في بابه . وقيل الميثاق الغليظ : اليمين بالله على الوفاء بما حملوا . فإن قلت : علام عطف قوله : وأعد للكافرين ؟ قلت : على أخذنا من النبيين ; لأن المعنى أن الله أكد على الأنبياء الدعوة إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين . وأعد للكافرين عذابا أليما . أو على ما دل عليه ليسأل الصادقين كأنه قال : فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين .