أخرج ، أبو يعلى ، وابن أبي حاتم وصححه، والحاكم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، معا في "الدلائل"، عن والبيهقي قالت : أسماء بنت أبي بكر لما نزلت تبت يدا أبي لهب [المسد : 1] . أقبلت العوراء أم جميل ولها ولولة، وفي يدها فهر وهي تقول :
مذمما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا
[ ص: 367 ] ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، إلى جنبه، فقال وأبو بكر لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك . فقال : "إنها لن تراني" . وقرأ قرآنا اعتصم به، كما قال تعالى : أبو بكر : وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا . فجاءت حتى قامت على فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا أبي بكر، بلغني أن صاحبك هجاني . فقال أبا بكر، لا ورب هذا البيت، ما هجاك . فانصرفت وهي تقول : قد علمت أبو بكر : قريش أني بنت سيدها .
وأخرج ، ابن مردويه في "الدلائل"، من وجه آخر، عن والبيهقي أسماء بنت أبي بكر، أن أم جميل دخلت على وعنده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا أبي بكر ما شأن صاحبك ينشد في الشعر؟ فقال : والله ما صاحبي بشاعر، وما يدري ما الشعر . فقالت : أليس قد قال : ابن أبي قحافة، في جيدها حبل من مسد [المسد : 5] . فما يدريه ما في جيدي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "قل لها : هل ترين عندي أحدا؟ فإنها لن تراني، جعل بيني وبينها حجاب" . فسألها فقالت : أتهزأ بي؟ والله ما أرى عندك أحدا . أبو بكر :
وأخرج ابن مردويه عن قال : كنت جالسا عند المقام ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل الكعبة بين يدي، إذ جاءت أبي بكر الصديق أم جميل بنت حرب بن أمية زوجة أبي لهب، ومعها فهران، فقالت : أين الذي هجاني وهجا زوجي؟ [ ص: 368 ] والله لئن رأيته لأرضن أنثييه بهذين الفهرين . وذلك عند نزول : تبت يدا أبي لهب . قال فقلت لها : يا أبو بكر : أم جميل، والله ما هجاك ولا هجا زوجك . قالت : والله ما أنت بكذاب، وإن الناس ليقولون ذاك . ثم ولت ذاهبة، فقلت : يا رسول الله، إنها لم ترك! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "حال بيني وبينها جبريل " .
وأخرج ، ابن أبي شيبة في "الأفراد"، والدارقطني في "الدلائل"، عن وأبو نعيم قال : ابن عباس تبت يدا أبي لهب . جاءت امرأة أبي لهب، فقال يا رسول الله، لو تنحيت عنها، فإنها امرأة بذية . قال : "سيحال بيني وبينها" . فلم تره . فقالت : يا أبو بكر : هجانا صاحبك . قال : والله ما ينطق بالشعر ولا يقوله . فقالت : إنك لمصدق . فاندفعت راجعة، فقال أبا بكر، يا رسول الله، ما رأتك! قال : "كان بيني وبينها [ ص: 369 ] ملك يسترني بجناحه حتى ذهبت" . أبو بكر : لما نزلت
وأخرج ، ابن إسحاق ، عن وابن المنذر قال : ابن شهاب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا القرآن على مشركي قريش ودعاهم إلى الله قالوا يهزؤون به : قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر، ومن بيننا وبينك حجاب . فأنزل الله في ذلك من قولهم : وإذا قرأت القرآن الآيات .
وأخرج ، وولده ابن عساكر القاسم في كتاب "آيات الحرز"، عن العباس بن محمد المنقري قال : قدم حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المدينة حاجا، فاحتجنا إلى أن نوجه رسولا، وكان في الخوف، فأبى الرسول أن يخرج، وخاف على نفسه من الطريق، فقال الحسين : أنا أكتب لك رقعة فيها حرز، لن يضرك شيء إن شاء الله . فكتب له رقعة وجعلها الرسول في صرته، فذهب الرسول فلم يلبث أن جاء سالما، فقال : مررت بالأعراب يمينا وشمالا فما هيجني منهم أحد . والحرز عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن وإن هذا الحرز كان الأنبياء يتحرزون به من الفراعنة : (بسم الله الرحمن الرحيم) . علي بن أبي طالب، قال اخسئوا فيها ولا [ ص: 370 ] تكلمون [المؤمنون : 108] . إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا [مريم : 18] . أخذت بسمع الله وبصره وقوته على أسماعكم وأبصاركم وقوتكم يا معشر الجن، والإنس، والشياطين، والأعراب، والسباع، والهوام، واللصوص - مما يخاف ويحذر فلان بن فلان، سترت بينه وبينكم بستر النبوة [261و] التي استتروا بها من سطوات الفراعنة، جبريل عن أيمانكم، وميكائيل عن شمائلكم، ومحمد صلى الله عليه وسلم أمامكم، والله تعالى من فوقكم يمنعكم من فلان بن فلان؛ في نفسه، وولده، وأهله، وشعره، وبشره، وماله، وما عليه، وما معه، وما تحته، وما فوقه : وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا وجعلنا على قلوبهم أكنة . إلى قوله : نفورا . وصلى الله على محمد وسلم تسليما كثيرا .
وأخرج ، ابن جرير ، عن وابن أبي حاتم في قوله : قتادة وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا . قال : الحجاب المستور أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به؛ أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم .
وأخرج عن ابن أبي حاتم في قوله : زهير بن محمد وإذا قرأت القرآن الآية . قال : ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا قرأ القرآن على المشركين بمكة سمعوا قراءته ولا يرونه .
[ ص: 371 ] وأخرج ، ابن جرير ، عن وابن أبي حاتم في قوله : ابن زيد وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا . قال : بغضا لما تكلم به لئلا يسمعوه، كما كان قوم نوح يجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا ما يأمرهم به من الاستغفار والتوبة .
وأخرج ، ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، عن وابن مردويه في قوله : ابن عباس وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا . قال : الشياطين .
وأخرج في "تاريخه" البخاري عن أبي جعفر محمد بن علي، أنه قال : لم كتبتم : (بسم الله الرحمن الرحيم)؟ فنعم الاسم والله كتموا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل منزله، اجتمعت عليه قريش ، فيجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) ويرفع صوته بها، فتولي قريش فرارا، فأنزل الله : وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا .
وأخرج عن ابن مردويه في قوله : ابن عباس إذ يستمعون إليك . قال : عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل .
[ ص: 372 ] وأخرج ، ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم في قوله : مجاهد إذ يستمعون إليك . قال : هي في مثل قول الوليد بن المغيرة ومن معه في دار الندوة . وفي قوله : فلا يستطيعون سبيلا . قال : مخرجا يخرجهم من الأمثال التي ضربوا لك؛ الوليد بن المغيرة وأصحابه .
وأخرج ، ابن إسحاق في "الدلائل"، عن والبيهقي قال : الزهري حدثت أن أبا جهل، وأبا سفيان، والأخنس بن شريق، خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعتهم الطريق، فتلاوموا، فقال بعضهم لبعض : لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا . ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية، عاد كل رجل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى طلع الفجر تفرقوا، فجمعتهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة، ثم انصرفوا، حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل واحد منهم مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعتهم الطريق، فقال بعضهم لبعض : لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود . فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا، فلما أصبح الأخنس أتى أبا سفيان في بيته فقال : أخبرني عن رأيك فيما سمعت من محمد . قال : والله لقد [ ص: 373 ] سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها، ولا ما يراد بها . قال الأخنس : وأنا والذي حلفت به . ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل، فقال : ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال : ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف في الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء . فمتى ندرك هذه؟! والله لا نؤمن به أبدا، ولا نصدقه . فقام عنه الأخنس وتركه .