قوله عز وجل: واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض يحتمل وجهين: أحدهما: أن الماء اختلط بالنبات حين استوى.
الثاني: أن النبات اختلط بعضه ببعض حين نزل عليه الماء حتى نما. فأصبح هشيما تذروه الرياح يعني بامتناع الماء عنه ، فحذف ذلك إيجازا لدلالة الكلام عليه ، والهشيم ما تفتت بعد اليبس من أوراق الشجر والزرع ، قال الشاعر:
فأصبحت نيما أجسادهم يشبهها من رآها الهشيما
واختلف في المقصود بضرب هذا المثل على قولين: أحدهما: أن الله تعالى ضربه مثلا للدنيا ليدل به على زوالها بعد حسنها وابتهاجها:
[ ص: 310 ] الثاني: أن الله تعالى ضربه مثلا لأحوال أهل الدنيا أن مع كل نعمة نقمة ومع كل فرحة ترحة. قوله عز وجل: المال والبنون زينة الحياة الدنيا لأن في المال جمالا ونفعا وفي البنين قوة ودفعا فصارا زينة الحياة الدنيا. والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا فيها أربعة تأويلات: أحدها: أنها الصلوات الخمس ، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير.
الثاني: أنها الأعمال الصالحة ، قاله ابن زيد.
الثالث: هي الكلام الطيب. وهذا مروي عن أيضا ، وقاله ابن عباس عطية العوفي.
الرابع: هو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، قاله رضي الله عنه. وروى عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو هريرة . وفي (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هي الباقيات الصالحات الصالحات وجهان: أحدهما: أنها بمعنى الصالحين لأن الصالح هو فاعل الصلاح.
الثاني: أنها بمعنى النافعات فعبر عن المنفعة بالصلاح لأن المنفعة مصلحة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لما عرج بي إلى السماء أريت إبراهيم
[ ص: 311 ] فقال: مر أمتك أن يكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة ، فقلت وما غراس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) . خير عند ربك ثوابا يعني في الآخرة ، وخير أملا يعني عند نفسك في الدنيا ، ويكون معنى قوله وخير أملا يعني أصدق أملا ؛ لأن من الأمل كواذب وهذا أمل لا يكذب.