قوله عز وجل: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: أنه النذور.
[ ص: 210 ] الثاني: ما عاهد الله عليه من عهد في طاعة الله.
الثالث: أنه التزام أحكام الدين بعد الدخول فيه. ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: لا تنقضوها بالامتناع بعد توكيدها بالالتزام.
الثاني: لا تنقضوها بالعذر بعد توكيدها بالوفاء.
الثالث: لا تنقضوها بالحنث بعد توكيدها بالبر. وفي هذه الآية ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها نزلت في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أنها نزلت في الحلف الذي كان في الجاهلية بين أهل الشرك ، فجاء الإسلام بالوفاء به.
الثالث: أنها نزلت في كل عقد يمين عقده الإنسان على نفسه مختارا يجب عليه الوفاء به ما لم تدع ضرورة إلى حله. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: محمول على الضرورة دون المباح. وأهل (فليأت الذي هو خير) الحجاز يقولون. وكدت هذه اليمين توكيدا ، وأهل نجد يقولون أكدتها تأكيدا. قوله عز وجل: ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا وهذا مثل ضربه الله تعالى لمن نقض عهده ، وفيه قولان: أحدهما: أنه عنى الحبل ، فعبر عنه بالغزل ، قاله . مجاهد
الثاني: أنه عنى الغزل حقيقة. من بعد قوة فيه قولان: أحدهما: من بعد إبرام. قاله . قتادة
[ ص: 211 ] الثاني: أن القوة ما غزل على طاق ولم يثن. أنكاثا يعني أنقاضا ، واحده نكث ، وكل شيء نقض بعد الفتل أنكاث. وقيل أن التي نقضت غزلها من بعد قوة امرأة بمكة حمقاء ، قال إنها الفراء: ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، سميت جعدة لحمقها ، كانت تغزل الصوف ثم تنقضه بعدما تبرمه ، فلما كان هذا الفعل لو فعلتموه سفها تنكرونه كذلك نقض العهد الذي لا تنكرونه. تتخذون أيمانكم دخلا بينكم فيه ستة تأويلات: أحدها: أن الدخل الغرور.
الثاني: أن الدخل الخديعة.
الثالث: أنه الغل والغش.
الرابع: أن يكون داخل القلب من الغدر غير ما في الظاهر من لزوم الوفاء.
الخامس: أنه الغدر والخيانة ، قاله . قتادة
السادس: أنه الحنث في الأيمان المؤكدة. أن تكون أمة هي أربى من أمة أن أكثر عددا وأزيد مددا ، فتطلب بالكثرة أن تغدر بالأقل بأن تستبدل بعهد الأقل عهد الأكثر. وأربى: أفعل الربا ، قال الشاعر :
وأسمر خطيا كأن كعوبه نوى القسب أو أربى ذراعا على عشر