والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين
قوله عز وجل: والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا هؤلاء هم بنو عمرو بن عوف وهم اثنا عشر رجلا من الأنصار المنافقين ، وقيل: هم خذام بن خالد ومن داره أخرج مسجد الشقاق ، وثعلبة بن حاطب ، ومعتب بن قشير ، وأبو حبيبة بن الأزعر ، وعباد بن حنيف أخو ، سهل بن حنيف وجارية بن عامر ، وابناه مجمع وزيد ابنا جارية ، ونبتل بن الحارث ، وبجاد بن عثمان ، ووديعة بن ثابت ، وبحرج وهو جد عبد الله بن حنيف ، وله قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ويلك يا بحرج ماذا أردت بما أرى؟. [ ص: 401 ] فقال: يا رسول الله ما أردت إلا الحسنى ، وهو كاذب ، فصدقه ، فبنى هؤلاء مسجد الشقاق والنفاق قريبا من مسجد قباء. ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين يعني ضرارا ، وكفرا بالله ، وتفريقا بين المؤمنين أن لا يجتمعوا كلهم في مسجد قباء فتجتمع كلمتهم ، ويتفرقوا فتتفرق كلمتهم ، ويختلفوا بعد ائتلافهم. وإرصادا لمن حارب الله ورسوله وفي الإرصاد وجهان: أحدهما: أنه انتظار سوء يتوقع.
الثاني: الحفظ المقرون بفعل. وفي محاربة الله تعالى ورسوله وجهان: أحدهما: مخالفتهما.
الثاني: عداوتهما. والمراد بهذا الخطاب أبو عامر الراهب والد حنظلة بن الراهب كان قد حزب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خاف فهرب إلى الروم وتنصر واستنجد هرقل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبنوا هذا المسجد له حتى إذا عاد من هرقل صلى فيه ، وكانوا يعتقدون أنه إذا صلى فيه نصر ، وكانوا ابتدأوا بنيانه ورسول الله صلى الله عليه وسلم خارج إلى تبوك ، فسألوه أن يصلي لهم فيه فقال: (أنا على سفر ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم وصلينا لكم فيه ، فلما قدم من تبوك أتوه وقد فرغوا منه وصلوا فيه الجمعة والسبت والأحد ، وقالوا قد فرغنا منه ، فأتاه خبر المسجد وأنزل الله تعالى فيه ما أنزل. وحكى أن الذي أمهم فيه مقاتل مجمع بن جارية وكان قارئا ، ثم حسن إسلامه بعد ذلك فبعثه رضي الله عنه إلى عمر بن الخطاب الكوفة يعلمهم القرآن ، وهو علم بقية القرآن. ابن مسعود وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: طاعة الله تعالى. والثاني: الجنة. [ ص: 402 ] والثالث: فعل التي هي أحسن ، من إقامة الدين والجماعة والصلاة ، وهي يمين تحرج. والله يشهد إنهم لكاذبون يحتمل وجهين: أحدهما: والثاني: والله يعلمك أنهم لكاذبون خائنون. فصار إعلامه له كالشهادة منه عليهم. والله يعلم إنهم لكاذبون في قولهم خائنون في إيمانهم. لا تقم فيه أبدا أي لا تصل فيه أبدا ، يعني مسجد الشقاق والنفاق فعند ذلك أنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم وعاصم بن عدي فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه. فذهبا إليه وأخذا سعفا وحرقاه. وقال : بل انهار المسجد في يوم الاثنين ولم يحرق. ابن جريج لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه وفيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، قاله ورواه مرفوعا. أبو سعيد الخدري
الثاني: أنه مسجد قباء ، قاله وهو الضحاك ، قاله أول مسجد بني في الإسلام ابن عباس وعروة بن الزبير وسعيد بن جبير وقتادة . [ ص: 403 ] الثالث: أنه كل مسجد بني في والضحاك المدينة أسس على التقوى ، قاله محمد بن كعب: فيه رجال يحبون أن يتطهروا فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: من المسجد الذي أسس على التقوى رجال يحبون أن يتطهروا من الذنوب والله يحب المتطهرين منها بالتوبة ، قاله . والثاني: فيه رجال يحبون أن يتطهروا من البول والغائط بالاستنجاء بالماء. والله يحب المتطهرين بذلك. روى أبو العالية أبو أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وأنس بن مالك للأنصار عند نزول هذه الآية: (يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم خيرا في الطهور فما طهوركم هذا قالوا: يا رسول الله نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فهل مع ذلك غيره؟ قالوا: لا ، غير أن أحدنا إذا خرج إلى الغائط أحب أن يستنجي بالماء ، فقال: هو ذلك فعليكموه) .
الثالث: أنه عنى المتطهرين عن إتيان النساء في أدبارهن ، وهو مجهول ، قاله . مجاهد