قوله تعالى: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ اختلف فيمن نزلت فيه هذه الآية على قولين: أحدهما: أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي وكان أخا أبي جهل لأمه قتل الحارث بن زيد من بني عامر بن لؤي ، لأنه كان يعذب عياشا مع أبي جهل واختلف أين قتله؟ فقال عكرمة قتله ومجاهد: بالحرة بعد هجرته إلى المدينة وهو لا يعلم بإسلامه ، وقال قتله يوم الفتح وقد خرج من السدي: مكة وهو لا يعلم بإسلامه. [ ص: 518 ]
والقول الثاني: أنها نزلت في حين أبي الدرداء بالشعب فحمل عليه بالسيف ، فقال: لا إله إلا الله ، فبدر فضربه ثم وجد في نفسه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا شققت عن قلبه) وهذا قول قتل رجلا فأنزل الله تعالى: ابن زيد. وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ يعني وما أذن الله لمؤمن أن يقتل مؤمنا. ثم قال: إلا خطأ يعني أن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ وليس مما جعله الله له ، وهذا من الاستثناء الذي يسميه أهل العربية: الاستثناء المنقطع ، ومنه قول جرير:
من البيض لم تظعن بعيدا ولم تطأ على الأرض إلا ريط برد مرحل
يعني ولم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد وليس البرد من الأرض. ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة وفيها قولان: أحدهما: أنها لا يجزئ عتقها في الكفارة إلا أن تكون مؤمنة بالغة قد صلت وصامت ، وهذا قول ، ابن عباس ، والشعبي ، والحسن ، وقتادة وإبراهيم. والقول الثاني: أن الصغيرة المولودة من أبوين مسلمين تكون مؤمنة تجزئ في الكفارة ، وهذا قول ، عطاء . والشافعي ودية مسلمة إلى أهله في الدية وجهان: أحدهما: أنها مجملة أخذ بيانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثاني: أنها معهودة تقدم العمل بها ثم توجه الخطاب إليها فجعل الله الرقبة تكفيرا للقاتل في ماله والدية بدلا من نفس المقتول على عاقلته. فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة فيه قولان: أحدهما: أي إن كان قومه كفارا وهو مؤمن ففي قتله تحرير رقبة مؤمنة وليس فيه دية ، وهو قول ، ابن عباس ، والحسن ، وقتادة . قال وابن زيد لا تؤدى إليهم لأنهم يتقوون بها. [ ص: 519 ] ابن زيد:
والثاني: معناه فإن كان من قوم عدو لكم يعني ففيه الكفارة دون الدية سواء كان وارثه مسلما أو كافرا وهذا قول أهل حرب إذا كان فيهم مؤمن فقتل من غير علم بإيمانه ، ويكون معنى قوله: من قوم إلى قوم ، وعلى القول الأول هي مستعملة على حقيقتها. ثم قال تعالى: الشافعي وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فيهم ثلاثة أقاويل: أحدها: هم أهل الذمة من أهل الكتاب ، وهو قول ، يجب في قتلهم الدية والكفارة. والثاني: هم أهل عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن عباس العرب خاصة ، وهذا قول . والثالث: هم كل من له أمان بذمة أو عهد فيجب في قتله الدية والكفارة ، وهو قول الحسن . ثم قال تعالى: الشافعي فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فيه قولان: أحدهما: أن الصوم بدل من الرقبة وحدها إذا عدمها دون الدية ، وهذا قول الجمهور. والثاني: أنه بدل من الرقبة والدية جميعا عند عدمها ، وهذا قول قوله تعالى: مسروق. ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها قال نزلت في ابن جريج: مقيس بن صبابة ، وقد كان رجلا من بني فهر قتل أخاه ، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الدية وضربها على بني النجار ، فقبلها ، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيس بن صبابة ومعه في حاجة فاحتمل الفهري مقيس وكان أيدا فضرب به الأرض ورضخ رأسه بين حجرين ثم ألقى يغني: الفهري
قتلت به فهرا وحملت عقله سراة بني النجار أرباب فارع
[ ص: 520 ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أظنه أحدث حدثا ، أما والله لئن كان فعل لا أؤمنه في حل ولا حرم فقتل عام الفتح) . وروى عن سالم بن أبي الجعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن عباس قال (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) الآية ، فقيل له: وإن تاب وآمن وعمل صالحا. قال: وأنى له التوبة). فنزلت الشديدة بعد الهدنة بستة أشهر ، يعني قوله تعالى: زيد بن ثابت. ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها بعد قوله: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق [الفرقان: 68 ].