[ ص: 286 ]
سورة الليل
بسم الله الرحمن الرحيم
والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى
قوله تعالى والليل إذا يغشى فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : إذا أظلم ، قاله . مجاهد
الثاني : غطى وستر ، قاله . ابن جبير
الثالث : إذا غشى الخلائق فعمهم وملأهم ، قاله ، وهذا قسم . قتادة والنهار إذا تجلى فيه وجهان :
أحدهما : إذا أضاء ، قاله . مجاهد
الثاني : إذا ظهر ، وهو مقتضى قول . ويحتمل ثالثا : إذا أظهر ما فيه من الخلق ، وهذا قسم ثان . ابن جبير وما خلق الذكر والأنثى قال : معناه والذي خلق الذكر والأنثى فيكون هذا قسما بنفسه تعالى . ويحتمل ثانيا : وهو أشبه من قول الحسن أن يكون معناه وما خلق من الذكر [ ص: 287 ] الحسن
والأنثى ، فتكون (من) مضمرة المعنى محذوفة اللفظ ، وميزهم بخلقهم من ذكر وأنثى عن الملائكة الذين لم يخلقوا من ذكر وأنثى ، ويكون القسم بأهل طاعته من أوليائه وأنبيائه ، ويكون قسمه بهم تكرمة لهم وتشريفا . وفي المراد بالذكر والأنثى قولان :
أحدهما : آدم وحواء ، حكاه . ابن عيسى
الثاني : من كل ذكر وأنثى . فإن حمل على قول فكل ذكر وأنثى من آدمي وبهيمة ، لأن الله خلق جميعهم . وإن حمل على التخريج الذي ذكرت أنه أظهر ، فكل ذكر وأنثى من الآدميين دون البهائم لاختصاصهم بولاية الله وطاعته ، وهذا قسم ثالث : الحسن إن سعيكم لشتى أي مختلف ، وفيه وجهان :
أحدهما : لمختلف الجزاء ، فمنكم مثاب بالجنة ، ومنكم معاقب بالنار .
الثاني : لمختلف الأفعال ، منكم مؤمن وكافر ، وبر وفاجر ، ومطيع وعاص . ويحتمل ثالثا : لمختلف الأخلاق ، فمنكم راحم وقاس ، وحليم وطائش ، وجواد وبخيل ، وعلى هذا وقع القسم . وروى أن هذه الآية نزلت في ابن مسعود رضي الله عنه ، وفي أبي بكر أمية وأبي ابني خلف حين عذبا بلالا على إسلامه ، فاشتراه ، ووفى ثمنه بردة وعشر أوراق ، وأعتقه لله تعالى ، فنزل ذلك فيه . أبو بكر فأما من أعطى واتقى قال يعني ابن مسعود . وفي قوله أبا بكر أعطى ثلاثة أوجه :
أحدها : من بذل ماله ، قاله . ابن عباس
الثاني : اتقى محارم الله التي نهى عنها ، قال . قتادة
الثالث : اتقى البخل ، قاله . مجاهد وصدق بالحسنى فيه سبعة تأويلات : أحدها : بتوحيد الله ، وهو قول لا إله إلا الله ، قاله . الضحاك
[ ص: 288 ]
الثاني : بموعود الله ، قاله . قتادة
الثالث : بالجنة ، قاله . مجاهد
الرابع : بالثواب ، قاله . خصيف
الخامس : بالصلاة والزكاة والصوم ، قاله . زيد بن أسلم
السادس : بما أنعم الله عليه ، قاله . عطاء
السابع : بالخلف من عطائه ، قاله ، ومعاني أكثرها متقاربة . الحسن فسنيسره لليسرى فيه تأويلان :
أحدهما : للخير ، قاله . ابن عباس
الثاني : للجنة ، قاله . ويحتمل ثالثا : فسنيسر له أسباب الخير والصلاح حتى يسهل عليه فعلها . زيد بن أسلم وأما من بخل واستغنى قال : يعني بذلك ابن مسعود أمية وأبيا ابني خلف . وفي قوله بخل وجهان :
أحدهما : بخل بماله الذي لا يبقى ، قاله ابن عباس . والحسن
الثاني : بخل بحق الله تعالى ، قاله . قتادة واستغنى فيه وجهان :
أحدهما : بماله ، قاله . الحسن
الثاني : عن ربه ، قاله . ابن عباس وكذب بالحسنى فيه التأويلات السبعة . فسنيسره للعسرى فيه وجهان :
أحدهما : للشر من الله تعالى ، قاله . ابن عباس
الثاني : للنار ، قاله . ويحتمل ثالثا : فسنعسر عليه أسباب الخير والصلاح حتى يصعب عليه فعلها فعند نزول هاتين الآيتين يروي ابن مسعود عن قتادة عن خليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 289 ] أبي الدرداء
قال : ، ثم قرأ (ما من يوم طلعت فيه شمسه إلا وملكان يناديان : اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا فأما من أعطى واتقى الآية والتي بعدها) . وما يغني عنه ماله إذا تردى فيه وجهان :
أحدهما : إذا تردى في النار ، قاله أبو صالح . وزيد بن أسلم
الثاني : إذا مات فتردى في قبره ، قاله مجاهد . ويحتمل ثالثا : إذا تردى في ضلاله وهوى في معاصيه . وقتادة