[ ص: 76 ] قوله : والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم يعني بالزنى .
ولم يكن لهم شهداء يعني يشهدون بالزنى إلى أنفسهم وهذا حكم خص الله به الأزواج في قذف نسائهم ليلاعنوا فيذهب حد القذف عنهم . وفي سبب ذلك قولان :
أحدهما : ما رواه عن عكرمة ابن عباس أن هلال بن أمية أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه فقال : يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء فوجدت رجلا مع أهلي؛ رأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أتاه به وثقل عليه حتى أنزل الله فيه هذه الآية .
الثاني : ما رواه عن الأوزاعي عن الزهري سهل بن سعد عويمر أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله رجل وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع؟ فأنزل الله هذه الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قد أنزل الله عز وجل القرآن فيك وفي صاحبتك) فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملاعنة فلاعنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (انظروا فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين خدلج الساقين فلا أحسب عويمرا إلا قد صدق عليها ، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في تصديق عويمر وكان [ ص: 77 ] بعد ينسب إلى أمه ، قال أن : ولقد صار أميرا سعيد بن جبير بمصر وإنه ينسب إلى غير أب . فإذا ، وإن لم يكن ذلك لقاذف سواه ، لأن الزوج لنفي نسب ليس منه ورفع فراش قد عره مضطر إلى لعانها دون غيره ، فإذا أراد ذلك لاعن بينهما حاكم نافذ الحكم في الجامع على المنبر أو عنده ، ويبدأ بالزوج وهي حاضرة فيقول : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما قذفت به زوجتي هذه من الزنى بفلان إذا ذكره في قذفه ، وإن لم يذكره في لعانه كان لعانه نافذا . وإن أراد نفي ولدها قال : إن هذا الولد من زنى ما هو مني، فإذا أكمل ما وصفنا أعاده أربعا كما قال الله تعالى : قذف الرجل زوجته بالزنى كان له اللعان منها إن شاء فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والشهادة هنا يمين عبر عنها بلفظ الشهادة في قول مالك ، وقال والشافعي هي شهادة فرد بها لعان الكافر والمملوك ولو كانت شهادة ما جاز أن تشهد لنفسها وبلعنها ، أبو حنيفة: والعرب تسمي الحلف بالله تعالى شهادة كما قال قيس بن الملوح
وأشهد عند الله أني أحبها فهذا لها عندي فما عندها ليا
أي أحلف بالله فيما وصفتها من الزنى ، وهو تأويل قوله : والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين فإذا أكمل الخامسة فقد أكمل لعانه ، فتلاعن هي بعده على المنبر أو عنده فتقول وهو حاضر : أشهد بالله أن زوجي فلانا هذا من الكاذبين فيما رماني به من الزنى وأن هذا - إن كان الزوج قد نفى في لعانه ولده منها - ما هو من زنى ، تقول كذلك أربعا ، وهو تأويل قوله تعالى : ويدرأ عنها العذاب أي يدفع ، وفي هذا العذاب قولان :
أحدهما : أنه الحد ، وهو مذهب ، مالك . والشافعي
الثاني : أنه الحبس ، وهو مذهب . أبي حنيفة
أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ثم تقول في الخامسة وأن [ ص: 78 ] علي غضب الله إن كان زوجي من الصادقين فيما رماني به من الزنى وهو تأويل قوله تعالى :
والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين والغضب في لعانها بدلا من اللعنة في لعان زوجها ، وإذا تم اللعان وقعت الفرقة المؤبدة بينهما ، فيه أربعة أقاويل : وبماذا تقع؟
أحدها : بلعان الزوج وحده وهو مذهب . الشافعي
الثاني : بلعانهما معا ، وهو مذهب . مالك
الثالث : بلعانهما وتفريق الحاكم بينهما ، وهو مذهب . أبي حنيفة
والرابع : بالطلاق الذي يوقعه الزوج بعد اللعان ، وهو مذهب ثم حرمت عليه أبدا . أحمد بن حنبل
واختلفوا في على قولين : إحلالها له إن أكذب بعد اللعان نفسه
أحدهما : تحل ، وهو مذهب . أبي حنيفة
والثاني : لا تحل ، وهو مذهب مالك . وإذا والشافعي لحق بها دونه ، فإن أكذب نفسه لحق به الولد حيا أو ميتا ، وألحقه نفى الزوج الولد باللعان به في الحياة دون الموت . أبو حنيفة
قوله تعالى : ولولا فضل الله عليكم ورحمته في فضل الله ورحمته هنا وجهان :
أحدهما : أن فضل الله الإسلام ورحمته القرآن ، قاله . يحيى بن سلام
الثاني : أن فضل الله منه ، ورحمته نعمته ، قاله . وفي الكلام محذوف اختلف فيه على قولين : السدي
أحدهما : أن تقديره : لولا فضل الله عليكم ورحمته بإمهاله حتى تتوبوا لهلكتم .
الثاني : تقديره : لولا فضل الله عليكم ورحمته بكم لنال الكاذب منكم عذاب عظيم .
[ ص: 79 ] وأن الله تواب حكيم فيكون المحذوف على القول الأول الجواب وبعض الشرط ، وعلى الثاني الجواب وحده بعد استيفاء الشرط .