( فصل )
في حكم إتلاف الدواب غير طير ؛ إذ لا ضمان بإتلافه مطلقا ؛ لأنه لا يدخل تحت اليد أي : ما لم يرسل المعلم على ما صار إتلافه له طبعا فيما يظهر ، ويؤيده قولهم : يضمن بتسييب ما علمت ضراوته ليلا ونهارا ، وأفتى ( من كان مع ) البلقيني في نحل قتل جملا بأنه هدر لتقصير صاحبه دون صاحب النحل ، إذ لا يمكنه ضبطه فإن قلت شرب النحل للعسل طبع له ، فهل قياس ما تقرر ضمانه بإرساله عليه فشربه ؟ قلت الظاهر هنا عدم الضمان ؛ لأن من شأن النحل أن لا يهتدي للإرسال على شيء ولا يقدر على ضبطه ولا نظر لإرساله ؛ لأنه ضروري لأجل الرعي ، وحينئذ لو ؟ يحتمل أن يقال لا أخذا من جعلهم شربه للعسل المتنجس حيلة مطهرة له ؛ إذ هو صريح في استحالة ما شربه وإن نزل منه فورا ويلزم من استحالته أن هذا غير ما شربه فكان لمالكه لا لمالك هذا ، وأيضا فقد مر زوال ملك المغصوب منه باختلاطه بما لا يتميز عنه ، وهذا موجود هنا فزال به الملك ولا بدل هنا لما تقرر أنه غير مضمون ، وأن يقال : نعم ، والاستحالة إنما توجب تغير الوصف دون تغير الذات كما علم مما مر في النجاسة . والخلط إنما يزول به الملك إن كان ممن يضمن حتى ينتقل البدل لذمته ، وهنا لا ضمان فلا مزيل للملك على أنا لم نتيقن هنا خلطا لاحتمال أن لا عسل في جوف النحل غير هذا ، بل هو الأصل ، وأن يقال : إن قصر الزمن بحيث تحيل العادة أن النازل منه غير الأول فهو لمالكه وإلا [ ص: 202 ] فهو لمالكها ؛ لأن نزوله منها سبب ظاهر في ملك مالكها ، ولعل هذا هو الأقرب . شرب عسل الغير ثم مج عسلا فهل هو لصاحب العسل
( دابة أو دواب ) في الطريق مثلا مقطورة أو غيرها سائقا أو قائدا أو راكبا مثلا ، سواء أكانت يده عليها بحق أم غيره ولو غير مكلف ، كما يعلم مما لا يأتي في مركبه وقنا أذن سيده أم لا ، كما شمله كلامه فيتعلق متلفها برقبته فقط ، ويفرق بين هذا ولقطة أقرها بيده فتلفت فإنها تتعلق برقبته ، وبقية أموال السيد بأنه مقصر ثم يتركها بيده المنزلة منزلة يد المالك بعد علمه بها ، ولا كذلك هنا لا يقال : القن لا يد له ؛ لأنا نقول : ليس المراد باليد هنا التي تقتضي ملكا بل التي تقتضي ضمانا ، وهو بهذا المعنى له يد كما هو ظاهر ، ( ضمن إتلافها ) بجزء من أجزائها ( نفسا ) على العاقلة ( ومالا ) في ماله ( ليلا ونهارا ) ؛ لأن فعلها منسوب إليه وعليه حفظها وتعهدها
فإن كان معها سائق وقائد أو عليها راكبان ضمنا نصفين أو هما أو أحدهما ، وراكب ضمن وحده ؛ لأن اليد له ، وخرج بقوله مع دابة [ ص: 203 ] ما لو انفلتت بعد إحكام نحو ربطها وأتلفت شيئا ، فإنه لا يضمن كما سيذكره ، ويستثنى من إطلاقه ما لو نخسها غير من معها ، فضمان إتلافها على الناخس ولو رموحا بطبعها على الأوجه ما لم يأذن له من معها ، فعليه ولو كانت ذاهبة فردها آخر تعلق ضمان ما أتلفته بعد الرد به ، كذا أطلقه بعضهم ، وينبغي تقييده بما إذا كان رده بنحو ضربها نظير النخس فيما ذكر . أما إذا أشار إليها فارتدت فيحتمل أن لا ضمان إذ لا إلجاء حينئذ ، وما لو غلبته فاستقبلها آخر فردها كما ذكر ، فإن الراد يضمن ما أتلفته في انصرافها وما لو فلا يضمنه ، كما لو سقط هو أو مركوبه ميتا على شيء فأتلفه بخلاف طفل سقط عليها ؛ لأن له فعلا ، وألحق انتفخ ميت فانكسر به قارورة الزركشي بسقوطه بالموت سقوطه بنحو مرض أو ريح شديد وفيه نظر
والفرق ظاهر وما لو كان راكبها يقدر على ضبطها فاتفق أنها غلبته لنحو قطع عنان وثيق وأتلفت شيئا فلا يضمنه على ما أخذ من كلامهم لعدم تقصيره ، ومن ثم لو كانت لغيره ولم يأذن له ضمن ، لكن الذي اقتضاه كلام الشيخين
واعتمده البلقيني وغيره الضمان نظير ما مر في الاصطدام ، بخلاف ما مر في غلبة السفينتين لراكبهما ؛ لأن ضبط الدابة ممكن باللجام وعلى الأول فيفرق بأن ما هنا أخف لاحتياج الناس إليه غالبا بخلاف خصوص الاصطدام لندرته وإنبائه غالبا عن عدم إحسان الركوب ، وما لو ، فإنه يضمن متلفها ، وما لو أركب أجنبي بغير إذن الولي صبيا أو مجنونا دابة لا يضبطها مثلهما فلا يضمنه ، كما لو كان مع دواب راع فتفرقت لنحو هيجان ريح وظلمة لا لنحو نوم وأفسدت زرعا ، لكن هذا يخرج بقوله مع دابة فلا يصح إيراده [ ص: 204 ] عليه ، خلافا لمن زعمه وما لو ربطها بطريق متسع بإذن الإمام أو نائبه كما لو خفر فيه لمصلحة نفسه وخرج بقولنا في الطريق مثلا من ند بعيره أو انفلتت دابته من يده وأفسدت شيئا فلا يضمنه صاحبهما إن علم بهما ، وإن أذن له في دخولها بخلاف ما إذا جهل فإن أذن له في الدخول ضمنه وإلا فلا ، وبخلاف الخارج منهما عن لدار ولو بجانب بابها ؛ لأنه ظاهر يمكن الاحتراز عنه ، ومحله كما يعلم مما يأتي فيما ليس تحت يده أو تحتها ولم يعرف بالضراوة أو ربطه وخرج به أيضا ربطها بموات أو ملكه فلا يضمن به متلفها اتفاقا دخل دارا بها كلب عقور فعقره أو دابة فرفسته
ولو لم يضمنه ، كما مر في الغصب بقيده قيل يرد على قوله : نفسا ومالا أجره دارا إلا بيتا معينا فأدخل دابته فيه وتركه مفتوحا فخرجت وأتلفت مالا للمكتري الحرم وشجره وصيد الإحرام فإنه يضمنهما ، ويرد بأنهما لا يخرجان عنهما . صيد
وأفتى ابن عجيل في بالضمان إن كان النطح طبعها وعرفه صاحبها أي : وقد أرسلها أو قصر في ربطها أخذا مما يأتي في الضارية ، لكن ظاهر إطلاقهم ثم إنه لا فرق بين أن يعلم واضع اليد عليها ضراوتها أو لا ، نعم تعليلهم له بقولهم إذ مثل هذه إلى آخر ما يأتي يرشد إلى تقييده ، والكلام في غير ما بيده وإلا ضمن مطلقا كما علم مما مر ، وصرح دابة نطحت أخرى العبادي فيمن ربط دابة بشارع فربط آخر أخرى بجانبها فعضت إحداهما الأخرى بأن العاض إن كان هو الثانية ضمن صاحبها أو الأولى فلا إلا أن يحضر صاحبها فقط ، ولم يمنعها مع قدرته فيضمنها ولو فالدعوى عليه ؛ لأنها بيده ، لكن المالك غره بعدم إعلامه بها فيرجع بما ضمنه عليه اكترى من ينقل متاعه [ ص: 205 ] على دابته ، وعادتها الضراوة بشيء من أعضائها ولم يعلمه بها فأتلفت شيئا مع الأجير
فإن أنكر الأجير إتلافها حلف على البت ؛ لأن فعل الدابة منسوب لمن هي بيده ، ولو ضمنه على عاقلته ربط فرسه في خان فقال لصغير : خذ من هذا التبن واعلفها ففعل فرفسته فمات وهو حاضر ولم يحذره منها وكانت رموحا