( كتاب البغاة ) جمع باغ من بغى ظلم وجاوز الحد لكن ليس البغي اسم ذم على الأصح عندنا لأنهم إنما خالفوا بتأويل جائز في اعتقادهم لكنهم مخطئون فيه فلهم لما فيهم من أهلية الاجتهاد نوع عذر وما ورد من ذمهم وما وقع في كلام الفقهاء في بعض المواضع من عصيانهم أو فسقهم محمولان على من لا أهلية فيه للاجتهاد أو لا تأويل له أو له تأويل قطعي البطلان [ ص: 66 ] أي وقد عزموا على قتالنا أخذا مما يأتي في الخوارج أو ظنيه لأهليته للاجتهاد لكن خروجه لأجل جور الإمام بعد استقرار الأمر لما يأتي فيه المعلوم منه أن أهلية الاجتهاد إنما تمنع العصيان في الصدر الأول فقط فاندفع ما يقال كيف يشترطون التأويل المتوقف على الاجتهاد المطلق إلى الآن وهم مصرحون بانقطاعه من نحو ستمائة سنة فعلم أن الأحكام الآتية إنما تثبت للبغاة الذين ( هم ) مسلمون كما يعلم مما يأتي في الردة فالمرتدون إذا خرجوا لا تثبت لهم تلك الأحكام بل يقتلون من غير استتابة
( مخالفو الإمام ) ولو جائرا لحرمة الخروج عليه أي لا مطلقا بل بعد استقرار الأمر المتأخر عن زمن الصحابة والسلف رضي الله عنهم فلا يرد خروج الحسين بن علي رضي الله عنهما ومعهما كثير من وابن الزبير السلف على يزيد وعبد الملك ودعوى المصنف الإجماع على حرمة الخروج على الجائر إنما أراد الإجماع بعد انقضاء زمن الصحابة واستقرار الأمور أي وحينئذ فلا فرق في الحرمة بين المجتهد الذي له تأويل وغيره ( بخروج عليه وترك ) عطف تفسير ( الانقياد ) له بعد الانقياد له كذا وقع في عبارة بعضهم وظاهر أنه غير شرط ( أو منع حق ) طلبه منهم
وقد ( توجه عليهم ) الخروج منه كزكاة أو حد أو قود ( بشرط شوكة لهم ) بحيث يمكن بها مقاومة الإمام كذا قيل وفيه نظر وأحسن منه قول بعضهم بحيث لا يسهل الظفر بهم وبعضهم بحيث لا يندفعون إلا بجمع جيش ويؤيده قول الإمام في قليلين لهم فضل قوة أنهم بغاة بالاتفاق ، وإنما يتحقق فضل قوتهم بما ذكر أو بتحصنهم بحصن استولوا بسببه على ناحية وكان المراد بالقليلين الذين هم محل الاتفاق أحد عشر فأكثر بدليل حكاية ابن القطان وجهين فيما لو كانوا نحو خمسة أو ستة ( وتأويل ) غير قطعي البطلان [ ص: 67 ] يجوزون به الخروج عليه كتأويل أهل الجمل وصفين خروجهم على علي رضي الله عنه بأنه يعرف قتلة عثمان ويقدر على قتلهم ويمنعهم منهم لمواطأته إياهم كذا قيل
والوجه أخذا من سيرهم في ذلك أن رميه بالمواطأة الممنوعة لم يصدر ممن يعتد به لأنه بريء من ذلك حاشاه الله منه وتأويل بعض مانعي الزكاة من أبي بكر رضي الله عنه بأنهم لا يدفعون الزكاة إلا لمن صلاته سكن لهم ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم أما إذا خرجوا بلا تأويل كمانعي حق الشرع كالزكاة عنادا أو بتأويل يقطع ببطلانه كتأويل المرتدين أو لم يكن لهم شوكة فليس لهم حكم البغاة كما يأتي بتفصيله ( ومطاع فيهم ) يصدرون عن رأيه ، وإن لم يكن منصوبا إذ لا شوكة لمن لا مطاع لهم فهو شرط لحصولها لا أنه شرط آخر غيرها ( قيل و ) المطاع ، وإن كان شرطا لكن لا يكتفى في قيام شوكتهم بكل مطاع بل لا توجد شوكتهم إلا إن وجد المطاع ، وهو ( إمام ) لهم ( منصوب ) منهم عليهم للحكم بينهم
وردوا هذا الوجه بأن عليا كرم الله وجهه قاتل أهل الجمل ولا إمام لهم وأهل صفين قبل نصب إمامهم ولا يشترط على الأصح جعلهم لأنفسهم حكما غير حكم الإسلام ولا انفرادهم بنحو بلد ( ولو أظهر قوم رأي الخوارج ) وهم صنف من المبتدعة ( كترك الجماعات ) لأن الأئمة لما أقروا على المعاصي كفروا بزعمهم فلم يصلوا خلفهم ( ) أي فاعلها فيحبط عمله ويخلد في النار عندهم ( ولم يقاتلوا ) أهل العدل وهم في قبضتهم ( تركوا ) فلا نتعرض لهم إذ لا يكفرون بذلك بل ولا يفسقون ما لم يقاتلوا وكما تركهم وتكفير ذي كبيرة علي كرم الله وجهه وجعل حكمهم حكم أهل العدل نعم إن تضررنا بهم تعرضنا لهم حتى يزول الضرر كما يعزرون إن صرحوا بسب بعض أهل العدل
ويؤخذ من قولهم ولا يفسقون أنا لا نفسق سائر أنواع المبتدعة الذين لا يكفرون ببدعتهم [ ص: 68 ] ويؤيده ما يأتي من قبول شهادتهم ولا يلزم من ورود ذمهم ووعيدهم الشديد ككونهم كلاب أهل النار الحكم بفسقهم ؛ لأنهم لم يفعلوا محرما في اعتقادهم ، وإن أخطئوا وأثموا به من حيث إن الحق في الاعتقاديات واحد قطعا كما عليه أهل السنة ، وأن مخالفه آثم غير معذور فإن قلت أكثر تعاريف الكبيرة يقتضي فسقهم لوعيدهم الشديد وقلة اكتراثهم بالدين قلت ، هو كذلك بالنسبة لأحكام الآخرة دون الدنيا لما تقرر أنهم لم يفعلوا محرما عندهم كما أن الحنفي يحد بالنبيذ لضعف دليله
وتقبل شهادته ؛ لأنه لم يفعل محرما عنده نعم ، هو لا يعاقب ؛ لأن تقليده صحيح بخلافهم كما علم مما تقرر ( وإلا ) بأن قاتلوا أو كانوا في غير قبضتنا ( ف ) هم ( قطاع طريق ) في حكمهم الآتي في بابهم لا بغاة ، وإن أطال البلقيني في الانتصار له نعم لو قتلوا لم يتحتم قتلهم ؛ لأنهم لم يقصدوا إخافة الطريق ومن ثم لو قصدوها تحتم