ش : قال الأقفهسي في شرح الرسالة : السفر عند الصوفية على قسمين : سفر الظاهر وسفر الباطن فسفر الباطن السفر في نعم الله تعالى والتفكر في مخلوقاته ، وسفر الظاهر على قسمين : سفر طلب وسفر هرب فسفر الهرب واجب ، وهو إذا كان في ويقل فيه الحلال فإنه يجب عليه السفر منه إلى بلد يكثر فيه الحلال ، وكذلك يجب عليه الهروب من موضع يشاهد فيه المنكر من شرب خمر وغير ذلك من سائر المحرمات إلى موضع لا يشهد فيه ذلك ، وكذلك يجب عليه بلد يكثر فيه الحرام ; لأن المؤمن لا يذل نفسه قال الشاعر : الهروب من بلد أو موضع يذل فيه نفسه إلى بلد أو موضع يعز فيه نفسه
إذا كنت في أرض يذلك أهلها ، ولم تك ذا عز بها فتغرب ; لأن رسول الله لم يستقم له
بمكة حال فاستقام بيثرب
وظاهر كلامه - رحمه الله - أن حكم القصر في السفر المكروه كف الأهواء كحكم القصر في سفر المعصية ، وهو ظاهر كلام أيضا ونحوه ابن الحاجب للخمي ، قال في السفر المكروه والممنوع : اختلف في القصر في هذين هل يجوز أو يمنع وأرى أن يجوز في سفر الصيد ويمنع في سفر المعصية انتهى . قال ابن ناجي في شرح المدونة : فظاهره أن القول بالتحريم في صيد اللهو ثابت انتهى . وظاهر المدونة خلافه ، قال فيها : وإن كان للهو فلا أحب له أن يقصر ، ولا آمره بالخروج ، قال صاحب الطراز بعد أن قسم السفر إلى خمسة أقسام : أما المكروه فإنه ينبني على بيان حكم سفر المعصية فإن قلنا : لا يجوز القصر قلنا : يكره القصر في السفر المكروه ، وقد اختلف قول في ذلك يعني في سفر المعصية ، قال مالك الباجي : المشهور من مذهب أنه لا يقصر فيه الصلاة ، وروى مالك زياد أنه يقصر انتهى . وقال ابن ناجي في شرح المدونة : أما سفر المعصية فالمشهور أنه لا يقصر صاحبه تحريما ، وقيل يقصر ، رواه زياد وحكاه الباجي ، وقال قبله : الظاهر حمل قولها لا أحب على بابه ، وقال شيخنا يعني البرزلي في حملها على بابها أو على التحريم وعليه الأكثر قولان للأشياخ ، قال ابن ناجي : لا أعرف القول الثاني تأويلا عليها انتهى . وقال في شرح الرسالة لما ذكر ما ذكر قول : إنه لا يترخص العاصي بالسفر على الأصح ، قال : وكذلك المكروه كصيد اللهو فظاهره أن الأصح تحريم القصر ، والصواب عندي أنه يستحب له أن لا يقصر ، فإن قصر فلا شيء عليه وعليه تحمل المدونة ، ولا يبعد أن يكون هو مراد ابن الحاجب ، وأن العطف إنما هو في كونه لا يقصر وذلك أعم من التحريم والكراهة انتهى . ابن الحاجب
( قلت ) ويقال مثل هذا في كلام المصنف ، وهذا هو الظاهر عندي ويحتمل أن يكون تبع ظاهر كلام اللخمي فتأمله وحاصله أنه يقصر في الواجب والمندوب والمباح ولا يقصر في الحرام والمكروه ، فإن قصر في المكروه فقال في التوضيح ، قال إن قصر لم يعد للاختلاف فيه انتهى . وتقدم نحوه في كلام ابن شعبان ابن ناجي .
( فرع ) قال ابن ناجي في شرح المدونة ، ولو قصر في سفر المعصية فانظر هل يراعى فيه الخلاف كما روعي في المكروه أم لا ، والصواب لا يعيد ويراعى فيه قول بجواز القصر فيه وقول مالك أبي حنيفة وبعض أهل الظاهر انتهى . والثوري
( فرع ) قالوا : لم يترخص ; لأن سفره عاد معصية ، ولو لو كان سفره غير معصية ، ثم طرأت المعصية ترخص إذا صحت التوبة ; لأن سفره من الآن ليس بمعصية ، انتهى من كان سفره معصية ، ثم طرأت التوبة ابن الفاكهاني على الرسالة ، والله تعالى أعلم .
ص ( أربعة برد )
ش : وهي ثمانية وأربعون ميلا ، وهذا هو المطلوب ابتداء في أثناء السفر ، قال في المدونة : فإن فلا إعادة عليه فيما بينه وبين الأربعين ، وإن قصر فيما دون الأربعين إلى ستة وثلاثين فقيل يعيد في الوقت ، وقيل لا إعادة عليه ، وإن قصر فيما دون ستة وثلاثين أعاد في الوقت وبعده انتهى . وقال في آخر أول رسم من سماع قصر فيما دون الثمانية والأربعين أشهب : إن قصر في أقل من خمسة وأربعين إلى ستة وثلاثين أعاد في الوقت ، وإن قصر فيما دون ستة وثلاثين أعاد في الوقت وبعده انتهى . ونقل في التوضيح عنه أن من قصر [ ص: 141 ] في أقل من ستة وثلاثين أعاد أبدا بلا خلاف ، وهو ظاهر ، ونقل عن أن من قصر في ستة وثلاثين أعاد أبدا ، وحكاه يحيى بن عمر بقيل فاعترض عليه في التوضيح بأنه المذهب . ابن الجلاب
( قلت ) ، وفي جعله المذهب نظر ; لأن الذي اقتصر عليه ابن رشد في البيان الإعادة في الوقت ، وذكر في المقدمات قولين بالإعادة في الوقت وعدمها ، ولم يحك الإعادة أبدا ، وذكر ابن عرفة عن ابن القاسم أن من قصر في ستة وثلاثين لا يعيد فيكون هو الراجح ، والله أعلم .