( الحادي عشر ) قال في الطراز : ويجوز وقد كانت الصحابة تفعله ففي الموطإ : أنهم كانوا يصلون يوم الجمعة حتى يخرج الكلام والمؤذن يؤذن فإذا جلس على المنبر ، وأذن المؤذنون جلسنا نتحدث فإذا سكت المؤذن ، وقام عمر بن الخطاب يخطب أنصتنا فلم يتكلم أحد منا . وقوله : " ولو متنفلا لا مفترضا " يعني أن الحكاية مستحبة ، ولو كان الحاكي متنفلا وأما المفترض فلا يستحب له الحكاية ، وهذا مذهب المدونة ، وهو المشهور عن عمر يحاكيه فيهما ، وقاله مالك ، ابن وهب وابن حبيب ، قال في مختصر الواضحة : لأنه تهليل وتكبير وذكر الله ، وهذا جائز للمصلي أن يقوله وإن لم يسمع أذانا ، وقال : ولا يحكيه فيهما . سحنون
( تنبيهات : الأول ) إذا قلنا يحكيه في النافلة أو فيهما فإنما يحكيه إلى التشهدين ، ولو قلنا إن الحكاية في غير الصلاة إلى آخر الأذان ، قال في الطراز : إذا قلنا يتم معه الأذان ، ويحكيه في لفظ " الحيعلة " فذلك في غير صلاة فإن حكاه في الصلاة ، فهل تبطل ؟ يختلف فيه فقيل : تفسد ، حكاه عبد الحق في نكته ، وقال الأصيلي : لا تبطل ; لأنه متأول ، ومقتضى أصل المذهب بطلان صلاته ; لأنه تكلم فيها فيما لم يشرع جنسه فيها وما لا يعود إلى إصلاحها ولا ينفعه جهله ، والجاهل والعامد في أمر الصلاة سيان انتهى .
فإن قيل كلام صاحب الطراز إنما يدل على أن الذي يمنع منه حكاية " " بلفظها بدليل أنه حكى البطلان في صلاته ، ولا يمكن أن يقال ببطلان صلاة من قال في صلاته : لا حول ولا قوة إلا بالله ; لأنها ذكر فالجواب : إن أول كلامه يدل على ما قلنا ; لأن المطلوب في حكاية لفظ " الحيعلة " عند من قال بذلك أن يأتي بدلها " بالحوقلة " ولم أر من قال يحكيها بلفظها ، وأيضا فكلام الحيعلة ابن بشير وصاحب الجواهر والقرافي يدل على ما قلناه ، قال ابن بشير بعد أن حكى الأقوال الثلاثة : وإذا قلنا يحكيه في الصلاة فإنما يبلغ إلى آخر الشهادتين ، ولو فإنه يبطلها وهذا إذا كان عمدا ، وأما الناسي فلا يبطلها ، والجاهل يجري على القولين في الجهل هل حكمه حكم العمد أو النسيان ؟ وقال في الجواهر : ثم حيث قلنا يحكي فلا يجاوز التشهدين ولو قال في الصلاة " حي على الصلاة " فقال قال في الصلاة : " حي على الصلاة " الأصيلي : لا تبطل ، وحكى عبد الحق عن بعض القرويين : أنها تبطل ، وأنه كالمتكلم ، وحكى ذلك عن القاضي أبي الحسن انتهى .
وقال القرافي : إذا قلنا يحكيه في الفرض أو في النفل فقط ، ولا يتجاوز التشهدين فلو قال : " حي على الصلاة " ثم ذكر القولين وعلم من كلام ابن بشير أن العامد تبطل صلاته بلا خلاف ، وأن الناسي لا تبطل صلاته بلا خلاف ، وأن الخلاف في الجاهل والمشهور أنه كالعامد كما تقدم في كلام صاحب الطراز .
( الثاني ) : إذا قلنا لا يحكيه في الفريضة فالظاهر أن ذلك مكروه ، قال في الطراز : وهل يحكيه بعد فراغه من الصلاة ؟ الظاهر أنه يحكيه كما يرد المؤذن السلام بعد فراغه [ ص: 449 ] انتهى . وجزم به في الذخيرة ، فقال : قال صاحب الطراز : إذا قلنا لا يحكيه في الفريضة حكاه بعد فراغها انتهى . والله أعلم .
( الثالث ) عورضت هذه المسألة بما في كتاب الاعتكاف أن ، وإن انتهى إليه زحام المصلين ، وفرق المعتكف لا يصلي على جنازة في تهذيب الطالب بأن صلاة الجنازة فرض كفاية فلم يسغ له أن يدخل نفسه في عمل لا يتوجه عليه بعينه ، وحكاية المؤذن تلزم كل أحد في خاصته وبأن الحكاية ذكر ، وهي من جنس ما يفعله في صلاته ، وصلاة الجنائز ليست من جنس ما المعتكف فيه وبأن الحكاية أمر قريب يسير وأمر الجنازة يطول الاشتغال فيه انتهى . بالمعنى من عبد الحق الشيخ أبي الحسن وعارض الشيخ أبو الحسن أيضا هذه المسألة بقوله في المدونة : إن لا يحمد الله فإن فعل ففي نفسه ، وقال : انظر ما الفرق بينهما ، ونقله المصلي إذا عطس ابن ناجي ولم يذكروا له فرقا فتأمله .
( الرابع ) ، قال المشذالي في حاشية المدونة : قال ابن المنير في شرح البخاري : إذا قلنا يحكي في الفرض فلو كان والظاهر لا ; لأن من أذن لتلك الصلاة فقد أتى بالأكمل فلا معنى لطلب العوض ممن أتى بالمعوض ، قال الأذان للصلاة التي هو فيها ، وقد أذن لها ، فهل يشرع له أن يقول مثله أو لا ؟ المشذالي ( قلت ) لا خفاء في ضعف هذا التعليل ; لأن المزايا الشرعية لا غاية لها انتهى .
( قلت ) هذا يجري على الخلاف الذي ذكر ابن ناجي عن التادلي في المؤذن هل يحكي مؤذنا غيره أم لا ، والله أعلم .