مسألة قال في كتاب كنز الراغبين العفاة في الرمز إلى المولد والوفاة : ولم أقف على اسم مؤلفه ولكنه متأخر جدا فإنه كان ينقل عن الشيوخ الذين أدركتهم كالشيخ زكريا والشيخ كمال الدين بن حمزة الدمشقي قال ما نصه : وأجاز بعض المتأخرين كالسبكي والبارزي وبعض المتقدمين من الحنابلة تبعا كابن عقيل لعلي بن الموفق .
وكان في طبقة الجنيد وكأبي العباس محمد بن إسحاق السراج من المتقدمين إهداء ثواب القرآن له صلى الله عليه وسلم الذي هو تحصيل الحاصل من كلام السبكي الذي سقناه قريبا وابن عبد السلام مع ما يأتي من كلام المانعين وقال الزركشي في شرح المنهاج : كان بعض من أدركناه يمنع منه لأنه لا يتجرأ على الجناب الرفيع إلى آخر لفظه قال الزركشي : وكذلك اختلفوا في الدعاء له بالرحمة وإن كان في معنى الصلاة لما في الصلاة من معنى التعظيم بخلاف الرحمة المجردة وقال ابن قاضي شهبة في شرحه كان الشيخ تاج الدين القروي يمنع منه إلى آخر كلامه ثم قال ابن قاضي شهبة وهو المختار والأدب مع الكبار من الأدب والدين وأعمال الأمة من الواجبات والمندوبات في صحيفته صلى الله عليه وسلم وذكر ابن الحاج الحنبلي في اختيارات ابن تيمية أن وهي أعم من القرآن وغيره لا يستحب بل هو بدعة وأنه الصواب المقطوع به . إهداء القرب له صلى الله عليه وسلم
ونقل عن ابن مفلح في فروعه أنه قال : لم يكن من عادة السلف إهداء الثواب إلى موتى المسلمين بل كانوا يدعون لهم فلا ينبغي الخروج لهم ولم يره من له أجر العامل كالنبي صلى الله عليه وسلم ومعلم الخير بخلاف والد الشخص فإن له أجرا كأجر الولد لأن العامل يثاب على إهدائه فيكون له أيضا مثله كما في الحديث الصحيح { آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له } قال : وأقدم من بلغنا أنه فعل ذلك إذا مات ابن علي بن الموفق وأنه كان أقدم من الجنيد وأدرك الإمام وطبقته وعاصره وعاش بعده وأصحابنا إنما قالوا : إنه في طبقة أحمد الجنيد
وسئل الشيخ عماد الدين بن العطار تلميذ النووي - رحمهما الله [ ص: 545 ] وهل فيه أثر ؟ فأجاب بما هذا لفظه : أما قراءة القرآن العزيز فمن أفضل القربات وأما إهداؤه للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينقل فيه أثر ممن يعتد به بل ينبغي أن يمنع منه لما فيه من التهجم عليه فيما لم يأذن فيه مع أن ثواب التلاوة حاصل له بأصل شرعه صلى الله عليه وسلم وجميع أعمال أمته في ميزانه وقد أمرنا الله بالصلاة عليه وحث صلى الله عليه وسلم على ذلك وأمرنا بسؤال الوسيلة والسؤال بجاهه فينبغي أن يتوقف على ذلك مع أن هدية الأدنى للأعلى لا تكون إلا بالإذن انتهى كلامه . هل تجوز قراءة القرآن وإهداء الثواب إليه صلى الله عليه وسلم
قال صاحبنا الشيخ شمس الدين السخاوي تلميذ شيخنا قاضي القضاة ابن حجر في مناقبه التي أفردها أنه سئل عمن قرأ شيئا من القرآن وقال في دعائه اللهم اجعل ثواب ما قرأته زيادة في شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاب هذا مخترع من متأخري القراء لا أعلم لهم سلفا فيه وقال الشيخ زين الدين عبد الرحمن الكردي في كتاب النصيحة وقع السؤال عن جواز إهداء القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم والجواب أن ذلك شيء لم يرو عن السلف فعله ونحن بهم نقتدي وبذلك نهتدي ثم توسع في المسألة وليته اقتصر على كلامه الأول لكنه قال : وأجاب بعضهم بجوازه بل استحبابه قياسا على ما كان يهدى إليه في حياته من الدنيا وكما طلب الدعاء من وحث الأمة على الدعاء بالوسيلة عند الأذان وعلى الصلاة عليه ثم قال : وإن لم تفعل ذلك فقد اتبعت وإن فعلت فقد قيل به وقال الشيخ عمر زين الدين خطاب
هذه المسألة لا توجد في كلام المتقدمين من أئمتنا وأكثر المتأخرين منع من ذلك وقال الشيخ نجم الدين القاضي بن عجلون قد توسع الناس في ذلك وتصرفوا في التعبير عنه بعبارات متقاربة في المعنى كقولهم في صحيفته صلى الله عليه وسلم : أو نقدمها إلى حضرته أو زيادة في شرفه وقد تقترن بذلك هيئات تخل بالأدب معه صلى الله عليه وسلم وما ألجأهم إلى ارتكاب ذلك مع أن جميع حسنات الأمة في صحيفته وقد قال صلى الله عليه وسلم { } . دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
قال : فالذي ينبغي ترك ذلك والاشتغال بما لا ريب فيه كالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة له وغير ذلك من أعمال البر المأثورة في الشرع فإنها بحمد الله كثيرة وفيها ما يغني عن الابتداع في الدين والوقوع في الأمور المختلف فيها ، وقال الشيخ كمال الدين بن حمزة الحسني الشافعي ابن أخت الشيخ نجم الدين المذكور وقد سئل عن شخص عارض ما أفتى به خاله المشار إليه إن ذلك يجوز إهداء الثواب على الوجه المذكور بدعة ولا خلاف فيه وإنما الخلاف بين العلماء في أنه من البدع الجائزة أم لا وحيث كان الأمر كذلك اتجه ما أفتى به شيخنا الشيخ نجم الدين المشار إليه فإن من القواعد المقررة أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح فإذا دار الأمر بين المنع والجواز فالأحوط الترك .
ومن ثم قال الصوفية : إذا خطر لك أمر فزنه بالشرع فإن شككت فيه هل هو مأمور به أو منهي عنه ؟ فأمسك عنه انتهى .
ثم قال صاحب الكتاب : والمشهور من مذهب إمامنا الشافعي وشيخه والأكثرين كما قاله مالك النووي في فتاويه وفي شرح أنه لا يصل ثواب القراءة للميت قال بعض المفتين : فإهداء من لا يعتقد الوصول عبث مكروه ثم تكلم على مسلم وذكر كلام إهداء القراءة للميت النووي في شرح وفي الأذكار ثم ذكر عن الشيخ مسلم بهاء الدين الحواري بضم الحاء المهملة وتشديد الواو المفتوحة وكسر الراء منسوب إلى قرية حواران كما ضبطناه وآخرها راء مفتوحة مهملة وياء مقصورة أنه سئل عمن فقال : المشهور من مذهب يقرأ الفاتحة عقب السماع مرات لجماعة وآخر الكل يسألها له صلى الله عليه وسلم أن ثواب القراءة لا يصل إلى الميت قال : وهو محمول على ما إذا نوى القارئ بقراءته أن تكون عن الميت وأما النفع فينتفع الميت بأن يدعو له عقبها أو يسأل جعل أجره [ ص: 546 ] له أو يطلق على المختار عند الشافعي النووي وغيره لنزول الرحمة على القارئ ثم تنشر ولهذا تصح الإجارة على القراءة عند القبر لحصول النفع بها ولا يقال كما قال ابن عبد السلام أنه تصرف في الثواب غير مأذون فيه لأن التصرف الممنوع ما يكون بصيغة جعلته له أو أهديته له أما الدعاء بجعل ثوابه له فليس تصرفا بل سؤال لنقل الثواب إليه ولا منع فيه وأما إهداء الثواب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان الشيخ تاج الدين الفزاري يمنع منه ثم ذكر الزركشي والقاضي تقي الدين بن شهبة ثم قال : وجوزه بعض المتأخرين وهو السبكي ثم قال : وأما سؤال الفاتحة له فينبغي أن يمنع منه جزما لما لا يخفى انتهى كلامه .
فهؤلاء الجماعة كلهم قالوا بالمنع من هذا وذكروا تعليله ودليله حتى من أفتى من الشافعية بالجواز وفصل وحصل وما بقي بعد هذا شيء والله الهادي الموفق انتهى كلام صاحب المولد وكلام ابن السبكي وابن عبد السلام الذي أشار إليه في أول كلامه يعني به ما ذكراه من أن أعمال أمته صلى الله عليه وسلم كلها في صحيفته والله أعلم