وأما مسألة الصدقة فقد نص في الرواية على تقديم الحج عليها في غير سنة المجاعة وحمله ابن رشد على حج التطوع فأحرى الفريضة وتقدم في كلام صاحب المدخل أنه وهو ظاهر لا يجوز له أن يتصدق بما يحج به ويفهم منه أنها لا تقدم على الحج الفرض وهو كذلك على القول بالفور وعلى القول بالتراخي فتقدم عليه وهذا ما لم تتعين المواساة بأن يجد محتاجا يجب عليه مواساته بالقدر الذي يصرفه في حجه فيقدم ذلك على الحج لوجوبه فورا من غير خلاف والحج مختلف فيه . وأما في سنة المجاعة فتقدم الصدقة على حج التطوع
وقد روي أن - رحمه الله تعالى - دخل عبد الله بن المبارك الكوفة وهو يريد الحج فإذا بامرأة جالسة على مزبلة تنتف بطة فوقع في نفسه أنها ميتة فوقف وقال : يا هذه أميتة أم مذبوحة ، فقالت : ميتة وأنا أريد أن آكلها وعيالي ، فقال : إن الله حرم أكل الميتة وأنت في هذا البلد فقالت : يا هذا انصرف عني فلم يزل يراجعها الكلام حتى عرف منزلها ثم انصرف فجعل على بغل نفقة وكسوة وزادا وجاء فطرق الباب ففتحت فنزل عن البغل وضربه فدخل البيت ثم قال للمرأة : هذا البغل وما عليه من النفقة والكسوة والزاد لكم ثم أقام حتى جاء الحج فجاءه قوم يهنئونه بالحج فقال : ما حججت السنة ، فقال له بعضهم : سبحان الله ألم أودعك نفقتي ونحن ذاهبون إلى عرفات وقال الآخر : ألم تسقني في موضع كذا وكذا . وقال الآخر : ألم تشتر لي كذا وكذا فقال : ما أدري ما تقولون أما أنا فلم أحج العام فلما كان من الليل أتي في منامه فقيل له : يا قد قبل الله صدقتك وأنه بعث ملكا على صورتك فحج عنك انتهى من مناسك عبد الله بن المبارك ابن جماعة .
وقوله : الصدقة أفضل من العتق ظاهر وسيأتي في كفارة الأيمان عن ابن العربي أن الأفضل من الخصال الثلاثة ما تدعو الحاجة إليه فالطعام في الغلاء والعتق في الرخاء فتأمل هل يأتي مثله هنا والله أعلم