ورويناه من طريق عن البخاري مسدد عن عن سفيان بن عيينة عن أبيه عن عبد الرحمن بن القاسم فذكرت الحديث " وفيه { عائشة أم المؤمنين بمنى أتيت بلحم بقر ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بالبقر } . قالت : فلما كنا
فبين سفيان في هذا الخبر - وهو الذي رواه عبد العزيز بن الماجشون نفسه - أن تلك البقر كانت أضاحي ، والأضاحي غير بلا شك . الهدي الواجب في التمتع بالعمرة إلى الحج
ومن طريق حدثني مسلم بن الحجاج محمد بن حاتم نا محمد بن بكر أنا أنا ابن جريج أنه سمع أبو الزبير يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم { جابر بن عبد الله } . فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحللنا أن نهدي ونجمع النفر منا في الفدية وذلك حين أمرهم أن يحلوا في هديهم من حجهم
قال : هذا سند لا نظير له ، وبيان لا إشكال فيه ، والبقر يقع على العشرة [ ص: 157 ] وأقل وأكثر ; فنظرنا في الآية فوجدنا الله - تعالى - أيضا يقول : { أبو محمد فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } و " من " للتبعيض فجاز بظاهر الآية . الاشتراك في الهدي
فإن قيل : فمن أين اقتصرتم على العشرة فقط ؟ قلنا : لوجهين : أحدهما : أنه لم يقل أحد بأنه يجوز أن يشترك في هدي فرض أكثر من عشرة ؟ والثاني : ما رويناه عن طريق نا البخاري مسدد نا نا أبو الأحوص سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن أبيه عن جده فذكر حديث رافع بن خديج حنين " وفيه : { } . أنه عليه السلام قسم بينهم وعدل بعيرا بعشر شياه
قال : قد صح إجماع المخالفين لنا مع ظاهر الآية بأن شاة تجزئ في علي ، وقد عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر شياه ببعير . الهدي الواجب في التمتع ، والإحصار ، والتطوع
فصح أن الشاة بإزاء عشر البعير جملة ; وأن البقرة كالبعير في جواز الاشتراك فيها في الهدي الواجب فيما ذكرنا .
فصح أن البعير والبقرة يجزئان عما يجزئ عنه عشر شياه ، وعشر شياه تجزئ عن عشرة ، فالبعير ، والبقرة يجزئ كل واحد منهما عن عشرة ، وهو قول ، ابن عباس ، وسعيد بن المسيب . وإسحاق بن راهويه
وبه نقول لما ذكرنا - وبالله - تعالى - التوفيق .
وأما من منع من اختلاف أغراض المشتركين في الهدي فإنهم احتجوا بأن قالوا : إذا كان فيهم من يريد نصيبه للبيع ، أو للأكل لا للهدي فلم تحصل البدنة ، ولا البقرة مذكاة للهدي المقصود به إلى الله - عز وجل - .
وحجة : أنه لم يحصل الهدي المذكور إذا اشترك فيه المحصر ، والمتمتع ، والمتطوع ، والقارن ، فلم يحصل مذكى لما قصده به كل واحد منهم ، والذكاة لا تتبعض . زفر
قال : وهذا لا يحل الاحتجاج به ; لأنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما [ ص: 158 ] أوردنا أنه أمر أن يجتمع النفر منهم في الهدي وأنه قال عليه السلام : { أبو محمد } فعم عليه السلام ولم يخص من اتفقت أغراضهم ممن اختلفت ; وإنما أمرنا في الهدي بالتذكية وبالنية عما يقصده المرء ، وقد قال عليه السلام : { البقرة عن سبعة ، والجزور عن سبعة } فحصلت البدنة ، والبقرة مذكاة إذ ذكيت كما أمر الله - تعالى - بأمر مالكها وسمى الله - تعالى - عليها ; ثم لكل واحد منهم في حصته منها نية ، قال - عز وجل - : { ولكل امرئ ما نوى ولا تكسب كل نفس إلا عليها } فأحكام جملتها أنها مذكاة ; وحكم كل جزء منها ما نواه فيه مالكه ، ولا فرق حينئذ بين أجزاء سبعة من البقرة ، أو البعير وبين سبع شياه ولا يختلفون في أنهم ، وإن كانت أغراضهم متفقة وكان سببهم كلهم واحدا ، فإن لكل واحد حكمه وأنه قد يمكن أن يقبل الله - تعالى - من بعضهم ، ولا يقبل من بعضهم ; ولا يقدح ذلك في حصة المتقبل منه - وبالله - تعالى - التوفيق .
وأما قولنا : لا يجزئه أن يهديه إلا بعد أن يحرم بالحج ، وأن له أن يذبحه أو ينحره متى شاء بعد ذلك ولا يجزئه أن يهديه ، وينحره إلا بمنى أو بمكة ; فلأن الله - تعالى - قال : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } فإنما أوجبه - تعالى - على من تمتع بالعمرة إلى الحج ، لا على من لم يتمتع بالعمرة إلى الحج [ بلا شك ] فهو ما لم يحرم بالحج فلم يتمتع بعد بالعمرة إلى الحج ، وإذ لم يتمتع بعد بالعمرة إلى الحج فالهدي غير واجب عليه ، ولا يجزئ غير واجب عن واجب إلا بنص وارد في ذلك ; ولا خلاف بين أحد في أنه إن بدا له فلم يحج من عامه ذلك فإنه لا هدي عليه ; فصح أنه ليس [ عليه ] هدي بعد ، وإذا لم يكن عليه فلا يجزئه ما ليس عليه عما يكون عليه بعد ذلك ; وهو قول ، الشافعي . وأبي سليمان
وأما ذبحه ونحره بعد ذلك فلأن هذا الهدي قد بين الله - تعالى - لنا أول وقت وجوبه ، ولم يحد آخر وقت وجوبه بحد ، وما كان هكذا فهو دين باق أبدا حتى يؤدى ; والأمر به ثابت حتى يؤدى ; ومن خصه بوقت محدود فقد قال على الله - تعالى - ما لم يقله - عز وجل - وهذا عظيم جدا وقال ، أبو حنيفة : لا يجزئ هديه قبل يوم النحر ، وهذا قول لا دليل على صحته بل هو دعوى بلا برهان ، وما كان هكذا فهو ساقط ; والعجب من تجويز ومالك [ ص: 159 ] تقديم الزكاة وإجازة أصحابه لمن نذر صيام يوم الخميس فصام يوم الأربعاء قبله أجزأه ثم لا يجيزون أبي حنيفة وأما قولنا : إنه لا يجزئ إلا هدي المتعة قبل يوم النحر بمكة أو منى فإن قوما قالوا : يجزئ في كل بلد ; لأن الله - تعالى - لم يحد موضع أدائه فهو جائز في كل موضع ، ولو أراد الله - تعالى - قصره على مكان دون مكان لبينه كما بين ذلك في جزاء الصيد بقوله - تعالى - : { هديا بالغ الكعبة } ولم يقل في هدي المتعة ، ولا في هدي المحصر { وما كان ربك نسيا } .
فإن قيل : نقيس الهدي على الهدي في ذلك ؟ قلنا : القياس كله باطل ، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل ; لأنه إن صححتم قياسكم هدي المتعة على هدي جزاء الصيد لزمكم أن تقيسوه عليه في تعويض الإطعام من الهدي والصيام في هدي المتعة وأنتم لا تقولون هذا ; فظهر فساد قياسكم وتناقضه قال : لكن الحجة في ذلك أن الله - تعالى - قال : { أبو محمد ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق } .
وقال - تعالى - : { والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير } .
فجاء النص بأن شعائر الله - تعالى - { محلها إلى البيت العتيق } وأن البدن من شعائر الله - تعالى - فصح يقينا أن { محلها إلى البيت العتيق } ولا خلاف بين أحد في أن حكم الهدي كله كحكم البدن - : روينا من طريق أبي داود نا نا أحمد بن حنبل نا يحيى بن سعيد القطان جعفر بن محمد بن علي عن أبيه أن حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { جابر بن عبد الله ومنى كلها منحر } . قد نحرت هنا ،
نا أحمد بن عمر بن أنس نا عبيد الله بن الحسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري نا محمد بن أحمد بن الجهم نا نا معاذ بن المثنى مسدد نا عن حفص بن غياث جعفر بن محمد عن أبيه عن { جابر مكة كلها منحر } [ ص: 160 ] { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عند المنحر : هذا المنحر ، وفجاج منى : هذا المنحر ، وفجاج منى كلها منحر } فصح أنه حيثما نحرت البدن ، والإهداء من فجاج وقال عليه السلام في مكة ومنى - وهو الحرم كله - فقد أصاب الناحر ، وأنه لا يجوز الحرم إلا ما خصه النص من هدي المحصر ، وهدي التطوع إذا عطب قبل بلوغه نحر البدن والهدي في غير مكة .
وروينا عن ، طاوس قالا : كل ما كان من هدي فهو وعطاء بمكة ، والصيام والإطعام حيث شئت - وعن : انحر حيث شئت . مجاهد
وأما قولنا : ومن كان أهله ساكنين في الحرم ؟ فلا يلزمه في تمتعه هدي ولا صوم ، وهو محسن في تمتعه - وقال قوم : هو مسيء في تمتعه - : قال : قال الله - تعالى - : { أبو محمد فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } .
قال : فقال المخالفون : لو أن الله - تعالى - أراد ما قلتم لقال ذلك على من لم يكن أهله حاضري علي المسجد الحرام ; فصح أن المتعة إنما هي لغير أهل مكة .
قال : ليس كما قالوا ; لأن الهدي أو الصوم الذي أوجبه الله - تعالى - في التمتع إنما هو نسك زائد وفضيلة وليس جبرا لنقص كما ظن من لا يحقق ; فهو لهم لا عليهم . أبو محمد
برهان صحة ذلك - : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } أو كما قال عليه السلام ; فأخبر عليه السلام بفضل المتعة ، وأنها لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ، ولجعلتها عمرة ، ولأحللت ، وأسقط الله - عز وجل - الهدي عن أهل أفضل أعمال الحج مكة والصوم فيها لما هو أعلم به ، وظاهره الرفق بهم ، لأنه لا شك في أن الله - تعالى - لو كلفهم ذلك لكان حرجا عليهم لسهولة العمرة عليهم ولإمكانها لهم كل يوم بخلاف أهل الآفاق .
وقال الله - تعالى - : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } .
ويبطل قول المخالف : أن الآية لو كانت كما ظن لحرمت مكة والحرم ; وهذا خلاف ما جاءت به السنة من الحض على العمرة ، وأنها كفارة لما بينهما ، فدخل في ذلك أهل العمرة في أشهر الحج [ ص: 161 ] على أهل مكة وغيرهم .
روينا عن نا سعيد بن منصور نا هشيم عن الحجاج الحكم عن مقسم عن قال : ليس على أهل ابن عباس مكة هدي في المتعة .
ومن طريق نا سعيد بن منصور ، هشيم ، قال ووكيع : نا هشيم المغيرة بن مقسم ، ، قال ويونس بن عبيد المغيرة : عن ، وقال النخعي : عن يونس الحسن ، وقال : عن وكيع الحسن بن حي عن عن ليث ، عطاء ، وطاوس ; ثم اتفق ومجاهد ، عطاء ، وطاوس ، ومجاهد والحسن ، ، قالوا كلهم : والنخعي ومن طريق ليس على المكي هدي في المتعة الحذافي عن عن عبد الرزاق ، ابن جريج قال ومعمر : عن ابن جريج ، وقال عطاء ، عن معمر الزهري ; ثم اتفق الزهري ، قالا جميعا في المكي يمر بالميقات فيعتمر منه : إنه ليس بمتمتع - وبهذا نقول . وعطاء
وروينا من طريق نا ابن أبي شيبة عن وكيع سفيان عن عن أبيه قال : ابن طاوس فعليه الهدي . إذا خرج المكي إلى الميقات فتمتع منه
قال : لا شيء عليه ; لأن أهله حاضرو أبو محمد المسجد الحرام - وزعم المالكيون : أن الهدي إنما جعل على المتمتع لإسقاطه سفر الحج إلى مكة .
قال : وهذا باطل بحت ، والعجب من تسهيلهم على أنفسهم مثل هذا القول الفاسد الذي يفتضحون به من قرب ، ويقال لهم : هذه العلة نفسها موجودة فيمن علي بمكة حتى حج فقد أسقط أحد السفرين ، وأنتم لا ترون عليه هديا ولا صوما ، ثم تقولون فيمن اعتمر في آخر يوم من رمضان ، ثم أقام مصر ، أو الشام ، أو العراق : أنه لا هدي عليه ولا صوم ، ولم يسقط أحد السفرين ، ويقولون فيمن كان من أهل هذه البلاد فخرج لحاجته لا يريد حجا ، وكانت حاجته اعتمر في أشهر الحج ثم خرج إلى ما وراء أبعد المواقيت فأهل بالحج منه ، وهو من أهل بعسفان ، أوببطن ; فلما صار بها بدا له في الحج والعمرة فحج بعد أن اعتمر في غير أشهر الحج : فلا هدي عليه ، وهو قد أسقط السفرين [ ص: 162 ] إلى الحج ، وإلى العمرة أيضا ; ولعمري ما ينبغي لمن له دين ، أو عقل أن يطلق عن الله - تعالى - ما لا علم له به ، وبالله - تعالى - نتأيد .