وأما قولنا : بعرفة بأذان واحد وإقامتين بالجمع بين صلاتي الظهر ، والعصر وبمزدلفة بين المغرب والعتمة كذلك أيضا فلما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخبر المذكور ; وقد اختلف الناس في هذا ; فقال ، أبو حنيفة ; في الصلاة والشافعي بعرفة كما قلنا . [ ص: 121 ]
وقال : بأذانين وإقامتين لكل صلاة أذان وإقامة ، وما نعلم لهذا القول حجة أصلا لا من سنة صحيحة ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من عمل صاحب ، ولا تابع ، فإن قالوا : قسنا ذلك على الجمع مالك بمزدلفة ؟ قلنا : هذا قياس للخطأ على الخطأ ، وقولكم هذا في مزدلفة خطأ على ما نبينه إن شاء الله - تعالى .
فإن قالوا : قسنا ذلك على الصلوات الفائتات ؟ قلنا : القياس كله باطل ، ثم لو كان حقا لكان [ هذا ] منه عين الباطل ; لأن صلاة الظهر ، والعصر ، بعرفة ليستا فائتتين ، ومن الباطل قياس صلاة تصلى في وقتها على صلاة فائتة لا سيما وأنتم لا تقولون بهذا العمل في الفائتات ، وقال سفيان ، وإسحاق : يجمع بين الظهر ، والعصر ، بعرفة بإقامتين فقط بلا أذان .
واحتج أهل هذا القول بخبر رويناه من طريق عن عبد الرزاق عن ابن جريج { عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بمكة وبمنى كل صلاة بأذان وإقامة ، وصلى - بعرفة ، وبجمع - كل صلاة بإقامة } .
قال : هذا لا تقوم به حجة ، ثم لو صح لما كانت فيه حجة ، لأن خبر أبو محمد ورد بزيادة ذكر الأذان ، وزيادة العدل واجب قبولها ، ولا بد ، وأما جابر بمزدلفة كما ذكرنا فللخبر المذكور أيضا . الجمع
وفي هذا خلاف من السلف - : روينا من طريق ، حماد بن زيد ، قال وحماد بن سلمة ابن زيد : عن قال : لم أحفظ عن نافع أذانا ولا إقامة بجمع - يعني ابن عمر مزدلفة .
وقال ابن سلمة عن عن أنس قال : صليت مع ابن سيرين بجمع المغرب بلا أذان ولا إقامة ، ثم العشاء بلا أذان ولا إقامة . ابن عمر
وقول ثان - : وهو أننا روينا عنه أيضا أنه جمع بينهما بإقامة واحدة بلا أذان - وروينا ذلك عن عن شعبة ، الحكم بن عتيبة ، كلاهما عن وسلمة بن كهيل : أنه صلى المغرب والعشاء سعيد بن جبير بجمع بإقامة واحدة - وذكر أن فعل مثل ذلك ، وأن ابن عمر ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك . [ ص: 122 ] ورويناه أيضا من طريق ابن عمر ، وغيره عن مجاهد : أنه فعل ذلك - وهو قول ابن عمر سفيان ، في أحد قوليهما - وبه أخذ وأحمد بن حنبل أبو بكر بن داود .
واحتج أهل هذه المقالة بما رويناه من طريق سفيان الثوري ، ، قال ويحيى بن سعيد القطان سفيان : عن مسلمة بن كهيل عن عن سعيد بن جبير ; وقال ابن عباس القطان : عن عن ابن أبي ذئب الزهري عن عن أبيه ; ثم اتفق سالم بن عبد الله بن عمر ، ابن عباس : على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع وابن عمر بمزدلفة بين المغرب والعشاء بإقامة واحدة ، وهذا خبر صحيح .
وقول ثالث - : وهو الجمع بينهما بإقامتين - لكل صلاة إقامة دون أذان - : روينا عن عن حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن يزيد أن جمع بينهما بإقامتين - يعني عمر بن الخطاب بمزدلفة - ومن طريق عن بعض أصحابه عن عبد الرزاق شريك عن أبي إسحاق عن أبي جعفر : أن جمع بين المغرب والعشاء ، كل واحدة منهما بإقامة - يعني علي بن أبي طالب بمزدلفة .
ومن طريق أنا حماد بن سلمة أنه كان مع عبد الكريم سالم بن عبد الله بن عمر بمزدلفة فجمع بين المغرب والعشاء بإقامتين ، وهو قول سفيان ، ، والشافعي - في أحد أقوالهم . وأحمد
واحتجوا بما رويناه من طريق عن مالك عن موسى بن عقبة كريب مولى ابن عباس عن { أسامة بن زيد مزدلفة فتوضأ ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلى ، ولم يصل بينهما شيئا } . ومن طريق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى نا البخاري عن عاصم عن ابن أبي ذئب الزهري عن عن سالم بن عبد الله [ رضي الله عنهما ] قال { ابن عمر } وهذان خبران صحيحان . جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء [ ص: 123 ] بجمع كل واحدة منهما بإقامة ، ولم يسبح بينهما ، ولا على إثر كل واحدة منهما
وقول رابع - : وهو أن الجمع بينهما بأذان واحد وإقامة واحدة - : روينا من طريق سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن النعمان بن حميد أن جمع بين الصلاتين عمر بمزدلفة بأذان وإقامة .
ومن طريق نا أبي داود السجستاني مسدد نا نا أبو الأحوص أشعث بن سليم عن أبيه " أنه كان مع ابن عمر بمزدلفة فأذن وأقام ، أو أمر بذلك ثم صلى المغرب ثلاث ركعات ، ثم التفت إلينا فقال : الصلاة ، فصلى العشاء ركعتين .
قال أشعث : وأخبرني علاج بن عمرو { بهذا قال : فقيل ابن عمر في ذلك ؟ فقال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا لابن عمر } . وبه يأخذ عن إلا أنه قال : أبو حنيفة . فإن تطوع بينهما أقام للعشاء إقامة أخرى
وقول خامس - : وهو الجمع بينهما بأذانين وإقامتين صح ذلك عن من طريق عمر بن الخطاب عن هشيم إبراهيم عن الأسود كنت مع فأتى عمر المزدلفة فصلى المغرب والعشاء ، كل صلاة بأذان وإقامة - : نا حمام نا الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقي نا نا أبو بكر بن أبي شيبة عن أبو الأحوص أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن يزيد قال : صليت مع المغرب بجمع بأذان وإقامة ، ثم أتينا بعشائنا فتعشينا ، ثم صلى بنا العشاء بأذان وإقامة . ابن مسعود
وبه نصا إلى أبي إسحاق السبيعي عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين : أن كان يجمع بين الصلاتين علي بن أبي طالب بمزدلفة كل صلاة بأذان وإقامة - وهو قول محمد بن علي بن الحسين ، وذكره عن أهل بيته ; وبه يقول . مالك
ولا حجة في هذا القول من خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ولا حجة في قول ، عمر ، وابن مسعود في ذلك ; لأنه قد خالفهم غيرهم [ ص: 124 ] من الصحابة ، واختلف عن وعلي أيضا كما أوردنا ، فالمرجوع إليه عند التنازع هو القرآن والسنة . عمر
ولا حجة في دعواه أن إعادة الأذان للعشاء هو من أجل أن لأبي حنيفة ، عمر تعشيا بين الصلاتين ; لأنهما لم يذكرا ذلك ، ولا أخبرا : أن إعادتهما الأذان إنما هو من أجل العشاء ، فهي دعوى فاسدة ؟ فإن قيل : قسنا ذلك على الجمع بين سائر الصلوات إذا صليت الأولى في آخر وقتها ، والأخرى في أول وقتها ، فلا بد من أذان وإقامة لكل صلاة ؟ قلنا : القياس باطل ، ولا يجوز أن يعارض ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم بقياس فاسد قال وابن مسعود : وقد روي مثل قولنا عن أبو محمد ، ابن عمر وسالم ابنه ، ، كما روينا من طريق وعطاء عن ابن أبي شيبة الفضل بن دكين عن عن مسعر بن كدام قال : صليت خلف عبد الكريم سالم : المغرب ، والعشاء بجمع بأذان وإقامتين ، فلقيت فقلت له : هكذا كان يصنع نافعا ؟ قال : نعم ، فلقيت عبد الله فقلت له ؟ فقال : قد كنت أقول لهم : لا صلاة إلا بإقامة - وهو قول عطاء من رواية الشافعي عنه ، فهي ستة أقوال - : أحدهما : الجمع بينهما بلا أذان ولا إقامة ، وصح عن أبي ثور . والثاني : ابن عمر
الجمع بينهما بإقامة واحدة فقط - وصح أيضا : عن - : وهو قول ابن عمر سفيان ، ، وأحمد وأبي بكر بن داود - وصح به خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والثالث : الجمع بينهما بإقامتين فقط ; روي عن ، عمر ، وصح عن وعلي - وهو أحد قولي سالم بن عبد الله سفيان ، ، وأحمد ; وصح به خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والرابع : والشافعي
الجمع بينهما بأذان واحد وإقامة واحدة - روي عن ; وصح عن ابنه عمر - وهو قول عبد الله - وصح به خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والخامس : أبي حنيفة
الجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين صح عن ، ابن عمر وسالم ابنه ، ، وهو أحد قولي وعطاء ، وبه نأخذ - وصح بذلك خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والسادس : الشافعي
الجمع بينهما بأذانين وإقامتين صح عن ، عمر ، وروي [ ص: 125 ] عن وابن مسعود ، وعن علي محمد بن علي بن الحسين وأهل بيته - وهو قول . مالك
فأما الأخبار في ذلك فبعضها بإقامة واحدة من طريق ، ابن عمر ، وبعضها بإقامتين من طريق وابن عباس ، ابن عمر - وبعضها بأذان واحد ، وإقامة واحدة من طريق وأسامة بن زيد - وبعضها بأذان واحد وإقامتين من طريق ابن عمر ; فاضطربت الرواية عن جابر إلا أن إحدى الروايات عنه ، وعن ابن عمر ، وعن أسامة بن زيد : زادت على الأخرى ; وعلى رواية جابر بن عبد الله إقامة فوجب الأخذ بالزيادة ، وإحدى الروايات عنه ، وعن ابن عباس تزيد على الأخرى ، وعلى رواية جابر أذانا ، فوجب الأخذ بالزيادة لأنها رواية قائمة بنفسها صحيحة فلا يجوز خلافها ، فإذا جمعت رواية أسامة سالم ، وعلاج عن صح منهما أذان ، وإقامتان كما جاء بينا في حديث ابن عمر ، وهذا هو الذي لا يجوز خلافه ; ولا حجة لمن خالف ذلك - وبالله - تعالى - التوفيق . جابر
وأما قولنا : بمزدلفة ولا بد ، وبعد غروب الشفق ولا بد ، فلما رويناه من طريق لا تجزئ صلاة المغرب تلك الليلة إلا نا البخاري ابن سلام نا عن يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن موسى بن عقبة كريب مولى ابن عباس عن قال { أسامة بن زيد عرفات عدل إلى الشعب فقضى حاجته فجعلت أصب عليه ويتوضأ فقلت : يا رسول الله أتصلي ؟ قال : المصلى أمامك } وذكر باقي الحديث . لما أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من
ومن طريق نا مسلم يحيى بن أيوب ، ، وقتيبة بن سعيد وابن حجر قالوا : نا نا إسماعيل يحيى بن يحيى - واللفظ له - نا عن إسماعيل بن جعفر محمد بن أبي حرملة عن كريب مولى ابن عباس { أنه كان ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسامة بن زيد عرفات فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعب الأيسر الذي دون المزدلفة أناخ فبال ; ثم جاء فصببت عليه الوضوء فتوضأ وضوءا خفيفا ، ثم قلت : الصلاة يا رسول الله فقال : الصلاة أمامك } وذكر الحديث . عن
قال : فإذ قد قصد عليه السلام ترك صلاة المغرب وأخبر بأن المصلى [ ص: 126 ] من أمام ، وأن الصلاة من أمام ، فالمصلى هو موضع الصلاة فقد أخبر بأن موضع الصلاة ووقت الصلاة من أمام ، فصح يقينا أن ما قبل ذلك الوقت ، وما قبل ذلك المكان ليس مصلى ، ولا الصلاة فيه صلاة . أبو محمد
روينا من طريق عن عبد الرزاق أخبرني ابن جريج أنه سمع أبو الزبير يقول : لا صلاة إلا بجمع - وروينا من طريق جابر بن عبد الله حجاج بن المنهال نا يزيد بن إبراهيم هو التستري - نا عبد الله بن أبي مليكة قال : كان يخطبنا فيقول : ألا لا صلاة إلا بجمع ؟ يرددها ثلاثا . ابن الزبير
ومن طريق عن عبد الرحمن بن مهدي سفيان الثوري عن عن ليث قال : لا صلاة إلا بجمع ، ولو إلى نصف الليل - وروي عن مجاهد ابن عمر : صلاة المغرب دون جمع ، ولا حجة إلا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم . وابن عباس