2157 - مسألة : في الدماء مشكل . قال أبو محمد رحمه الله : نا أحمد بن محمد بن الجسور نا أحمد بن الفضل بن بهرام الدينوري نا محمد بن جرير الطبري ني نا عمي - هو عبيد الله بن سعد بن إبراهيم الزهري يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف - نا عن شعبة بن الحجاج عبد الله بن أبي السفر عن عامر الشعبي عن عبد الله بن مطيع بن الأسود عن أبيه { مطيع أخي بني عدي بن كعب - وكان اسمه العاص فسماه رسول الله [ ص: 330 ] صلى الله عليه وسلم مطيعا - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة يقول : لا تغزى مكة بعد هذا العام أبدا ، ولا يقتل رجل من قريش بعد هذا العام صبرا أبدا } .
نا أحمد بن محمد بن الجسور نا أحمد بن الفضل نا محمد بن جرير ني عبد الله بن محمد الزهري نا عن سفيان بن عيينة زكريا - هو ابن أبي زائدة - عن الشعبي قال : قال الحارث بن مالك بن البرصاء : قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { مكة بعد هذا العام أبدا } . ما تغزى
نا نا أحمد بن محمد أحمد بن الفضل أنا محمد بن جرير نا نصر بن عبد الرحمن الأودي نا عن محمد بن عبيد زكريا عن الشعبي عن الحارث بن مالك بن البرصاء قال { مكة وهو يقول : لا تغزى مكة بعدها إلى يوم القيامة } قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح رحمه الله : الأول حديث صحيح ، والآخر إن صح سماع علي الشعبي من الحارث بن مالك فهما صحيحان - والحارث هذا : هو الحارث بن قيس بن عون بن جابر بن عبد مناف بن كنانة بن أشجع بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
قال أبو محمد رحمه الله : ووجه هذه الأحاديث بين ، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أخبر بهذا عن نفسه : أنه مكة بعدها أبدا ، وأنه لا يقتل بعدها رجلا من قريش صبرا أبدا ، وكان هذا كما قال عليه السلام ، فما قتل بعدها قرشيا . لا يغزو
برهان هذا : أنه عليه السلام قد أنذر بقتل رضي الله عنه - وأنذر بغزو عثمان بن عفان الكعبة - وهو كما روينا من طريق نا مسلم نا محمد بن المثنى ابن أبي عدي عن عثمان عن غياث عن عن أبي عثمان النهدي فذكر الحديث ، وفيه { أبي موسى الأشعري ففتحت له وبشرته بالجنة ، وقلت الذي قال ، فقال : اللهم صبرا ، والله المستعان عثمان بن عفان } . أن رجلا استفتح فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : افتح له وبشره بالجنة على بلوى تكون قال : فذهبت فإذا
ومن طريق نا مسلم ، أبو بكر بن أبي شيبة وابن أبي عمر ، وحرملة بن يحيى ، قال أبو بكر ، وابن أبي عمر : نا عن سفيان بن عيينة زياد بن سعد ، وقال حرملة : نا [ ص: 331 ] أخبرني ابن وهب - ثم اتفق يونس - هو ابن يزيد زياد ، كلاهما عن ويونس الزهري عن عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة الكعبة ذو السويقتين من الحبشة } قال يخرب أبو محمد رحمه الله : فصح أن قوما من قريش سيقتلون صبرا .
ولا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن قرشيا لو قتل لقتل ، ولو زنى وهو محصن لرجم حتى يموت - وهكذا نقول فيه : لو ارتد ، أو حارب أو حد في الخمر ثلاثا ثم شرب الرابعة - وكذلك قال الله تعالى { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم } .
ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن مكة - أعزها الله وحرسها - لو غلب عليها الكفار ، أو المحاربون ، أو البغاة ، فمنعوا فيها من إظهار الحق - أن فرضا على الأمة غزوهم لا غزو مكة ، فإن انقادوا ، أو خرجوا فذلك ، وإن لم يمتنعوا ولا خرجوا : أنهم يخرجون منها ، فإن هم امتنعوا وقاتلوا ، فلا خلاف في أنهم يقاتلون فيها وعند الكعبة - فكانت هذه الإجماعات ، وهذه النصوص وإنذار النبي عليه السلام بهدم ذي السويقتين للكعبة .
وبالضرورة ندري أن ذلك لا يكون ألبتة إلا بعد غزو منه - وقد غزاها الحصين بن نمير ، ، والحجاج بن يوسف وسليمان بن الحسن الجياني - لعنهم الله أجمعين - وألحدوا فيها وهتكوا حرمة البيت ، فمن رام للكعبة بالمنجنيق - وهو الفاسق - وقتل داخل الحجاج المسجد الحرام أمير المؤمنين ، وقتل عبد الله بن الزبير عبد الله بن صفوان بن أمية رضي الله عنهما وهو متعلق بأستار الكعبة ، ومن قالع للحجر الأسود ، وسالب المسلمين المقتولين حولها - وهو الكافر الملعون - سليمان بن الحسن القرمطي ، فكان هذا كله مبينا إخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما أخبر في حديث مطيع بن الأسود ، والحارث بن البرصاء ، وأنه عليه السلام إنما أخبر بذلك عن نفسه فقط - وهذا من أعلام نبوته عليه السلام أن أخبر بأنه لا يغزوها إلى يوم القيامة ، وأنه عليه السلام لا يقتل أبدا رجلا من قريش صبرا ، فكان كذلك .
ولا يجوز أن يقتصر على بعض كلامه صلى الله عليه وآله وسلم دون بعض ، فهذا تحكم فاسد ، بل تضم أقواله عليه السلام كلها بعضها إلى بعض ، فكلها حق .
[ ص: 332 ] ولا يجوز أن يحمل قوله عليه السلام { مكة بعد هذا العام إلى يوم القيامة ، ولا يقتل قرشي صبرا بعد هذا اليوم } على الأمر ، لما ذكرنا من صحة الإجماع على وجوب قتل القرشي قودا أو رجما في الزنى - وهو محصن - على وجوب غزو من لاذ لا تغزى بمكة من أهل الكفر والحرابة والبغي ؟ فإن قيل : إنما منع بذلك من غزوها ظلما ، ومن قتل قرشي صبرا ظلما ؟ قلنا - وبالله تعالى التوفيق : هذه أحكام لا يختلف فيها حكم مكة وغيرها ، ولا حكم قريش وغيرهم ، فلا يحل بلا خلاف : أن تغزى بلد من البلاد ظلما ، ولا أن يقتل أحد من الأمة ظلما ، وكأن يكون الكلام حينئذ عاريا من الفائدة ، وهذا لا يجوز - وبالله تعالى التوفيق .