وقالت طائفة : يقتل القاتل ويسجن الممسك حتى يموت .
قالت طائفة : يقتل الممسك أيضا .
فالقائلون بحبسه حتى يموت : كما روينا من طريق نا أبي بكر بن أبي شيبة عن عيسى بن يونس الأوزاعي عن قال : إن يحيى بن أبي كثير أتي برجلين قتل أحدهما وأمسك الآخر ، فقتل الذي قتل ، وقال للذي أمسك : أمسكت للموت ، فأنا أحبسك في السجن حتى تموت . . علي بن أبي طالب
والقول الثاني - كما روينا عن الحكم بن عتيبة ، عن الممسك والقاتل ؟ فقالا جميعا : يقتل القاتل . وحماد بن أبي سليمان
وعن أنه كان يقول في الرهط يجتمعون على الرجل فيمسكونه ، فيفقأ أحدهم عينيه ، أو يكسر رجليه ، أو يديه ، أو أسنانه ، أو نحو هذا منه : إنه يقاد من الذي يباشر ذلك منه ، ويعاقب الآخرون الذين أمسكوه عقوبة موجعة - فإن استحب المصاب كانت الدية عليهم كلهم يغرمونها جميعا سواء . ابن شهاب
وقال ، أبو حنيفة : يقتل القاتل ، ويعاقب الممسك . والشافعي
وأما القول الثالث - فكما روينا من طريق نا أبي بكر بن أبي شيبة محمد بن بكر عن قال : سمعت ابن جريج سليمان بن موسى يقول : الاجتماع فينا على المقتول هو أن يمسك الرجل ويضربه الآخر ، فهما شريكان عندنا في دمه : يقتلان جميعا .
وعن أنه قال في الرهط يجتمعون على الرجل فيمسكونه فيفقأ أحدهم عينيه ، أو يكسر رجليه ; أو يديه ، أو أسنانه ، أو نحو هذا منه : أنه يقاد من الذي باشر ، ومن الذي أمسك ، يقاد منهما جميعا . ربيعة
وبه يقول في القتل إن أمسكه - وهو يدري أنه يريد قتله - فقتله : فالقود عليهما جميعا - وبه يقول مالك . [ ص: 171 ] الليث بن سعد
قال : فلما اختلفوا - كما ذكرنا - وجب أن ننظر في ذلك لنعرف صواب ذلك من خطئه : فوجدنا من قال بقتل الممسك يقول : قد جاء عن أبو محمد : لو تمالأ عليه أهل عمر صنعاء لقتلتهم قال : وهذا لا حجة لهم فيه ، لأنه ليس فيه ذكر للممسك أصلا ، ونعم ، ونحن نقول : لو باشر قتله أهل أبو محمد صنعاء لوجب قتلهم
والثاني - أنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والثالث - أنا قد ذكرنا من أقوال التي خالفوه فيها عشرات : كخطبته على المنبر في الضرس جملا ، وفي الضلع جملا ، وفي الترقوة جملا وحكمه في العين العوراء بثلث ديتها وفي السن السوداء بثلث ديتها وفي اليد الشلاء بثلث ديتها كل ذلك عنه بأصح إسناد ، وأوضح بيان . عمر
فمن عجائب الدنيا : أن يكون ما قال - رضي الله عنه - وخطب به ، وحكم به بحضرة الصحابة ، لا يعرف له عنهم مخالف فيه لا يكون : حجة ، ويكون ما لم يقل ، ولا دل عليه ، ولا أشار إليه : حجة . عمر
وقد خالفه في ذلك غيره من الصحابة - رضي الله عنهم - لو صح ذلك عنه ، فكيف وهو لا يصح ؟ فإن قالوا : إن الممسك معين ؟ قلنا : نعم ، وما جاءت قط سنة ، ولا قرآن ، ولا قياس ، ولا قول صاحب : بأن المعين يقتل - فبطل هذا القول لتعريه من الحجج .
ثم وجدناه يبطله البرهان : وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نص : على أن { } والممسك لا يسمى في اللغة ، ولا في الشريعة " قاتلا " . لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل ترك دينه ، أو زنى بعد إحصان ، أو قتل نفسا
ثم سألناهم عن الممسك للمرأة حتى يزني بها غيره أعليه حد الزنا ويسمى " زانيا " أم لا ؟ فلا خلاف منهم في أنه ليس " زانيا " ولا يسمى " زانيا " ولا عليه حد زنى - فصح أنه لا يسمى الممسك باسم الفاعل على ما أمسك له . [ ص: 172 ]
فإن ذكروا قول الوليد بن عقبة :
فإن لم تكونوا قاتليه فإنه سواء علينا ممسكوه وضاربه
قيل لهم : هذا قول جائر متعد ، مخبر عن نيته فقط ، لا عن اللغة ، ولا عن الديانة .وبرهان هذا : قوله في هذا الشعر بعد هذا البيت :
بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم ولا تنهبوه لا تحل مناهبه
بني هاشم كيف الهوادة بيننا وعند درعه ونجائبه علي
فإن لم تكونوا قاتليه فإنه سواء علينا قاتلوه وسالبه
همو قتلوه كي يكونوا مكانه ما غدرت يوما مرازبه بكسرى
ثم لو احتججنا بهذا البيت لكان حجة لنا عليهم ، لأن فيه : فإن لم تكونوا قاتليه فإنه سواء علينا ممسكوه وضاربه فقد أخبر أن الممسكين ليسوا قاتلين ، فهذا حجة عليهم - وبالله تعالى التوفيق .
قال : ثم نظرنا في غيره فوجدنا الممسك ليس قاتلا ، لكنه حبس إنسانا حتى مات . أبو محمد
وقد قال الله تعالى { والحرمات قصاص } ، فكان الممسك للقتل سببا ومتعديا ، فعليه مثل ما فعل ، فواجب أن يفعل به مثل ما فعل ، فيمسك محبوسا حتى يموت - وبهذا نقول .
وهو قول ولا يعرف له مخالف من الصحابة - رضي الله عنهم - وقد روي في ذلك أثر مرسل . [ ص: 173 ] علي بن أبي طالب
كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية ، قال : نا وكيع سفيان عن إسماعيل بن أمية قال { } . قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل يمسكه رجل وقتله آخر بأن يقتل القاتل ويحبس الممسك
ومن طريق عن عبد الرزاق أخبرني ابن جريج إسماعيل بن أمية خبرا أثبته " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { } . يحبس الصابر للموت كما حبس ويقتل القاتل
قال : تفريق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حكم الحابس وبين حكم القاتل : بيان جلي . أبو محمد
وعهدنا بالحنفيين والمالكيين ، يقولون : إن المرسل والمسند سواء - وهذا مرسل من أحسن المراسيل ، وقد خالفوه ، ويشنعون على من خالف قول الصاحب إذا وافق أهواءهم - وبالله تعالى التوفيق .