النوع الخامس : ، فهو عمد موجب للقود ، إذا كان مثله يقتل غالبا . وإن خلطه بطعام ، وقدمه إليه ، فأكله أو أهداه إليه ، أو خلطه بطعام رجل ، ولم يعلم ذلك فأكله ، فعليه القود ; لأنه يقتل غالبا . وقال أن يسقيه سما ، أو يطعمه شيئا قاتلا ، فيموت به ، في أحد قوليه : لا قود عليه ; لأنه أكله مختارا ، فأشبه ما لو قدم إليه سكينا ، فطعن بها نفسه ، ولأن الشافعي روى { أنس بن مالك } قال : وهل تجب الدية ؟ فيه قولان ولنا ، خبر اليهودية ، فإن ، أن يهودية أتت رسول الله بشاة مسمومة ، فأكل منها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقتلها النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه : فمات أبا سلمة ، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فقتلت . أخرجه بشر بن البراء أبو داود ، ولأن هذا يقتل غالبا ، ويتخذ طريقا إلى القتل كثيرا ، فأوجب القصاص ، كما لو أكرهه على شربه . فأما حديث ، فلم يذكر فيه أن أحدا مات منه . ولا يجب القصاص إلا أن يقتل به ، ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتلها قبل أن يموت أنس فلما مات ، أرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم ، فسألها ، فاعترفت فقتلها ، فنقل بشر بن البراء صدر القصة دون آخرها . ويتعين حمله عليه ، جمعا بين الخبرين . ويجوز أن يترك قتلها ; لكونها ما قصدت أنس ، إنما قصدت قتل النبي صلى الله عليه وسلم فاختل العمد بالنسبة إلى بشر بن البراء بشر ، وفارق تقديم السكين ; لأنها لا تقدم إلى الإنسان ليقتل بها نفسه ، إنما تقدم إليه لينتفع بها ، وهو عالم بمضرتها ونفعها ، فأشبه ما لو قدم إليه السم وهو عالم به .
فأما إن خلط السم بطعام نفسه وتركه في منزله ، فدخل إنسان فأكله ، فليس عليه ضمان بقصاص ولا دية ; لأنه لم يقتله ، وإنما الداخل قتل نفسه ، فأشبه ما لو حفر في داره بئرا ، فدخل رجل ، فوقع فيها ، وسواء قصد بذلك قتل الآكل ، مثل أن يعلم أن ظالما يريد هجوم داره ، فترك السم في الطعام ليقتله ، فهو كما لو حفر بئرا في داره ليقع فيها اللص إذا دخل ليسرق منها ، ولو دخل رجل بإذنه ، فأكل الطعام المسموم بغير إذنه ، لم يضمنه لذلك . وإن خلطه بطعام رجل ، أو ، لم يضمنه ; لأنه أكله عالما بحاله ، فأشبه ما لو قدم إليه سكينا ، فوجأ بها نفسه . وإن سقى إنسانا سما ، أو خلطه بطعامه ، فأكله ولم يعلم به ، وكان مما لا يقتل مثله غالبا ، فهو شبه عمد . فإن اختلف فيه هل يقتل مثله غالبا أو لا ؟ وثم بينة تشهد ، عمل بها . وإن قالت البينة : هو يقتل النضو الضعيف دون القوي . أو غير هذا ، عمل على حسب ذلك . قدم إليه طعاما مسموما ، وأخبره بسمه فأكله
وإن لم يكن مع أحدهما بينة ، فالقول قول الساقي ; لأن الأصل عدم وجوب القصاص ، فلا يثبت بالشك ، ولأنه أعلم بصفة ما سقى . وإن ثبت أنه قاتل ، فقال : لم أعلم أنه قاتل . ففيه وجهان : أحدهما : عليه القود ; لأن السم من جنس ما يقتل غالبا ، فأشبه ما لو جرحه ، وقال : لم أعلم أنه يموت منه . والثاني : لا قود عليه ; لأنه يجوز أن يخفى عليه أنه قاتل . وهذه شبهة يسقط بها القود .