( 4485 ) مسألة قال : ( وإذا . فهي له ولورثته من بعده ) العمرى والرقبى : نوعان من الهبة ، يفتقران إلى ما يفتقر إليه سائر الهبات من الإيجاب والقبول والقبض ، أو ما يقوم مقام ذلك عند من اعتبره . وصورة العمرى أن يقول الرجل : أعمرتك داري هذه ، أو هي لك عمري ، أو ما عاشت ، أو مدة حياتك ، أو ما حييت ، أو نحو هذا . سميت عمرى لتقييدها بالعمر . قال : داري لك عمري . أو هي لك عمرك
والرقبى أن يقول : أرقبتك هذه الدار ، أو هي لك حياتك ، على أنك إن مت قبلي عادت إلي ، وإن مت قبلك فهي لك ولعقبك . فكأنه يقول : هي لآخرنا موتا . وبذلك سميت رقبى ; لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه . وكلاهما جائز ، في قول أكثر أهل العلم ، وحكي عن بعضهم أنها لا تصح ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { } . ولنا ما روى : لا تعمروا ولا ترقبوا ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { جابر } رواه العمرى جائزة لأهلها ، والرقبى جائزة لأهلها أبو داود ، [ ص: 400 ] والترمذي . وقال : حديث حسن .
فأما النهي ، فإنما ورد على سبيل الإعلام لهم إنكم إن أعمرتم أو أرقبتم يعد للمعمر والمرقب ، ولم يعد إليكم منه شيء . وسياق الحديث يدل عليه ، فإنه قال { } . ولو أريد به حقيقة النهي ، لم يمنع ذلك صحتها ; فإن النهي إنما يمنع صحة ما يفيد المنهي عنه فائدة ، أما إذا كان صحة المنهي عنه ضررا على مرتكبه ، لم يمنع صحته ، كالطلاق في زمن الحيض . : فمن أعمر عمرى ، فهي لمن أعمرها حيا وميتا وعقبه
وصحة العمرى ضرر على المعمر ، فإن ملكه يزول بغير عوض . إذا ثبت هذا ، فإن العمرى تنقل الملك إلى المعمر . وبهذا قال ، جابر بن عبد الله ، وابن عمر ، وابن عباس ، وشريح ، ومجاهد ، وطاوس ، والثوري ، وأصحاب الرأي ، وروي ذلك عن والشافعي . وقال علي ، مالك : والليث
العمرى تمليك المنافع ، لا تملك بها رقبة المعمر بحال ، ويكون للمعمر السكنى ، فإذا مات عادت إلى المعمر . وإن قال : له ولعقبه . كان سكناها لهم ، فإذا انقرضوا عادت إلى المعمر . واحتجا بما روى يحيى بن سعيد ، عن ، قال : سمعت عبد الرحمن بن القاسم مكحولا يسأل القاسم بن محمد عن العمرى ، ما يقول الناس فيها ؟ فقال القاسم : ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم وما أعطوا . وقال ، عن إبراهيم بن إسحاق الحربي : لم يختلف ابن الأعرابي العرب في العمرى ، والرقبى ، والإفقار ، والإخبال ، والمنحة ، والعرية .
والعارية ، والسكنى ، والإطراق ، أنها على ملك أربابها ، ومنافعها لمن جعلت له . ولأن التمليك لا يتأقت ، كما لو باعه إلى مدة ، فإذا كان لا يتأقت ، حمل قوله على تمليك المنافع ; لأنه يصح توقيته . ولنا ما روى قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { جابر } . رواه أمسكوا عليكم أموالكم ، ولا تفسدوها ، فإنه من أعمر عمرى ، فهي للذي أعمرها حيا وميتا ولعقبه . وفي لفظ : { مسلم } . متفق عليه قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرى لمن وهبت له
وروى ، عن ابن ماجه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ابن عمر } . وعن لا رقبى ، فمن أرقب شيئا ، فهو له حياته وموته ، { زيد بن ثابت } . وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل العمرى للوارث حديث العمرى ، في " موطئه " ، وهو صحيح رواه مالك ، جابر ، وابن عمر ، وابن عباس ، ومعاوية ، وزيد بن ثابت . وقول وأبو هريرة القاسم لا يقبل في مخالفة من سمينا من الصحابة والتابعين ، فكيف يقبل في مخالفة قول سيد المرسلين ، ولا يصح أن يدعى إجماع أهل المدينة ، لكثرة من قال بها منهم ، وقضى بها طارق بالمدينة بأمر . عبد الملك بن مروان
وقول : إنها عند ابن الأعرابي العرب تمليك المنافع . لا يضر إذا نقلها الشرع إلى تمليك الرقبة ، كما نقل الصلاة من الدعاء إلى الأفعال المنظومة ، ونقل الظهار والإيلاء من الطلاق إلى أحكام مخصوصة . قولهم : إن التمليك لا يتأقت . قلنا : فلذلك أبطل الشرع تأقيتها ، وجعلها تمليكا مطلقا .
( 4486 ) فصل : إذا شرط في العمرى أنها للمعمر وعقبه ، فهذا تأكيد لحكمها ، وتكون للمعمر وورثته . وهذا قول جميع القائلين بها
وإذا أطلقها فهي للمعمر وورثته أيضا ; لأنها تمليك للرقبة ، فأشبهت الهبة . فإن شرط أنك إذا مت فهي لي . فعن روايتان ; إحداهما ، صحة العقد والشرط ، ومتى مات المعمر [ ص: 401 ] رجعت إلى المعمر . وبه قال أحمد القاسم بن محمد ، ، وزيد بن قسيط والزهري ، ، ومالك ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وابن أبي ذئب ، وأبو ثور وداود
وهو أحد قولي ; لما روى الشافعي ، قال : إنما العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول : هي لك ولعقبك . فأما إذا قال : هي لك ما عشت . فإنها ترجع إلى صاحبها . متفق عليه . وروى جابر ، في " موطئه " ، عن مالك ، { جابر } . لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث . وقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أيما رجل أعمر عمرى له ، ولعقبه ، فإنها للذي أعطيها ، لا ترجع إلى الذي أعطاها القاسم بن محمد : ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم
والرواية الثانية ، أنها تكون للمعمر ولورثته ، ويسقط الشرط . وهذا قول الجديد ، وقول الشافعي . وهو ظاهر المذهب . نص عليه أبي حنيفة ، في رواية أحمد أبي طالب ; للأحاديث المطلقة التي ذكرناها ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } . وقال لا رقبى ، فمن أرقب شيئا ، فهو له في حياته وموته : الرقبى أن يقول هي للآخر مني ومنك موتا . وروى الإمام مجاهد ، بإسناده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : { أحمد } لا عمرى ، ولا رقبى ، فمن أعمر شيئا ، أو أرقبه ، فهو له حياته وموته
وهذا صريح في إبطال الشرط ; لأن الرقبى يشترط فيها عودها إلى المرقب إن مات الآخر قبله . وأما حديثهم الذي احتجوا به ، فمن قول نفسه ، وأما نقل لفظ النبي صلى الله عليه وسلم قال : { جابر } . ولأنا لو أجزنا هذا الشرط ، كانت هبة مؤقتة ، والهبة لا يجوز فيها التأقيت ، ولم يفسدها الشرط ; لأنه ليس بشرط على المعمر ، وإنما شرط ذلك على ورثته ، ومتى لم يكن الشرط مع المعقود معه ، لم يؤثر فيه أمسكوا عليكم أموالكم ، ولا تفسدوها ، فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيا وميتا ، ولعقبه
وأما قوله في الحديث الآخر : إنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث . فهذه الزيادة من كلام ، كذلك رواه أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وفصل هذه الزيادة فقال عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قضى في من أعمر عمرى له ولعقبه ، فهي له بتلة ، لا يجوز للمعطي فيها شرط ولا مثنوية . قال ابن أبي ذئب أبو سلمة : لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث .
( 4487 ) فصل : والرقبى هي أن يقول : هذا لك عمرك ، فإن مت قبلي رجع إلي ، وإن مت قبلك فهو لك
ومعناه هي لآخرنا موتا . وكذلك فسرها . سميت رقبى لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه . وقد روي عن مجاهد أنه قال : هي أن يقول : هي لك حياتك ، فإذا مت فهي لفلان ، أو هي راجعة إلي . والحكم فيها على ما تقدم ذكره ، وأنها كالعمرى إذا شرط عودها إلى المعمر . وقال أحمد رضي الله عنه : العمرى والرقبى سواء . وقال علي : من أرقب شيئا فهو على سبيل الميراث طاوس
وقال الزهري : الرقبى وصية . يعني أن معناها إذا مت فهذا لك . وقال الحسن ، ومالك : الرقبى باطلة ; لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز العمرى ، وأبطل الرقبى . ولأن معناها أنها للآخر منا ، وهذا تمليك معلق بخطر ، ولا يجوز تعليق التمليك بالخطر . ولنا ما رويناه من الأخبار ، وحديثهم لا نعرفه ، ولا نسلم أن معناها ما ذكروه ، بل معناها أنها لك [ ص: 402 ] حياتك ، فإن مت رجعت إلي وأبو حنيفة
فتكون كالعمرى سواء ، إلا أنه زاد شرطها لورثة المرقب ، إن مات المرقب قبله ، وهذا يبين تأكيدها على العمرى .
( 4488 ) فصل : وتصح ، من الحيوان ، والنبات ; لأنها نوع هبة ، فصحت في ذلك ، كسائر الهبات . وقد روي عن العمرى في غير العقار في الرجل يعمر الجارية : فلا أرى له وطأها . قال أحمد : لم يتوقف القاضي عن وطء الجارية لعدم الملك فيها ، لكن على طريق الورع ; لأن الوطء استباحة فرج ، وقد اختلف في صحة العمرى ، وجعلها بعضهم تمليك المنافع ، فلم ير له وطأها لهذا ، ولو وطئها كان جائزا . أحمد
( 4489 ) فصل : وإن ، فقال : وهبتك هذا لسنة ، أو إلى أن يقدم الحاج ، أو إلى أن يبلغ ولدي ، أو مدة حياة فلان . ونحو هذا لم يصح لأنها تمليك للرقبة ، فلم تصح مؤقتة ، كالبيع ، وتفارق العمرى والرقبى ; لأن الإنسان إنما يملك الشيء عمره ، فإذا ملكه عمره فقد وقته بما هو مؤقت به في الحقيقة ، فصار ذلك كالمطلق . وإن شرط رجوعها إليه بعد ذلك ، كان شرطا على غير الموهوب له ، بخلاف غيره . وقت الهبة إلى غير العمرى والرقبى