( 3950 ) مسألة ; قال : ( كان الزرع لصاحب الأرض ، وعليه النفقة ، وإن كان زرعها ، فأدركها ربها والزرع قائم ، فعليه أجرة الأرض ) قوله : " فأدركها ربها " يعني استرجعها من الغاصب ، أو قدر على أخذها منه . وهو معنى قوله : " استحقت " . يعني أخذها مستحقها . فمتى كان هذا بعد حصاد الغاصب الزرع ، فإنه للغاصب . وإن استحقت بعد أخذ الغاصب الزرع ،
لا نعلم فيه خلافا ; وذلك لأنه نماء ماله ، وعليه الأجرة إلى وقت التسليم وضمان النقص . ولو لم يزرعها ، فنقصت لترك الزراعة ، كأراضي البصرة ، أو نقصت لغير ذلك ، ضمن نقصها أيضا ; لما قدمنا في المسألة التي قبل هذه . فأما إن أخذها صاحبها والزرع قائم فيها ، لم يملك إجبار الغاصب على قلعه ، وخير المالك بين أن يقر الزرع في الأرض إلى الحصاد ، ويأخذ من الغاصب أجر الأرض وأرش نقصها ، وبين أن يدفع إليه نفقته ويكون الزرع له .
وبهذا قال وقال أكثر الفقهاء : يملك إجبار الغاصب على قلعه ، والحكم فيه كالغرس سواء ، لقوله عليه السلام { أبو عبيد } . ولأنه زرع في أرض غيره ظلما ، أشبه الغراس . : ليس لعرق ظالم حق
ولنا ، ما روى قال : قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم { رافع بن خديج ، } رواه من زرع في أرض قوم بغير إذنهم ، فليس له من الزرع شيء ، وعليه نفقته . أبو داود ، والترمذي ، وقال : حديث حسن . فيه دليل على أن الغاصب لا يجبر على قلعه ; لأنه ملك للمغصوب منه . وروي { ظهير ، فأعجبه ، فقال : ما أحسن [ ص: 148 ] زرع ظهير . فقال : إنه ليس لظهير ، ولكنه لفلان . قال : فخذوا زرعكم ، وردوا عليه نفقته . قال فأخذنا زرعنا ، ورددنا عليه نفقته رافع : } . أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زرعا في أرض
ولأنه أمكن رد المغصوب إلى مالكه من غير إتلاف مال الغاصب ، على قرب من الزمان ، فلم يجز إتلافه ، كما لو غصب سفينة ، فحمل فيها ماله . وأدخلها البحر ، أو غصب لوحا . فرقع به سفينة ، فإنه لا يجبر على رد المغصوب في اللجة ، وينتظر حتى ترسى ، صيانة للمال عن التلف . كذا هاهنا . ولأنه زرع حصل في ملك غيره ، فلم يجبر على قلعه على وجه يضر به . كما لو كانت الأرض مستعارة أو مشفوعة . وفارق الشجر والنخل ; لأن مدته تتطاول ، ولا يعلم متى ينقطع من الأرض ، فانتظاره يؤدي إلى ترك رد الأصل بالكلية .
وحديثهم ورد في الغرس ، وحديثنا في الزرع ، فيجمع بين الحديثين ، ويعمل بكل واحد منهما في موضعه . وذلك أولى من إبطال أحدهما . إذا ثبت هذا ، فمتى رضي المالك بترك الزرع للغاصب . ويأخذ منه أجر الأرض . فله ذلك ; لأنه شغل المغصوب بماله ، فملك صاحبه أخذ أجره ، كما لو ترك في الدار طعاما أو أحجارا يحتاج في نقله إلى مدة .
وإن أحب أخذ الزرع ، فله ذلك ، كما يستحق الشفيع أخذ شجر المشتري بقيمته . وفيما يرد على الغاصب روايتان ; إحداهما ، قيمة الزرع ; لأنه بدل عن الزرع . فيقدر بقيمته ، كما لو أتلفه . ولأن الزرع للغاصب إلى حين انتزاع المالك له منه ، بدليل أنه لو أخذه قبل انتزاع المالك له ، كان ملكا له .
ولو لم يكن ملكا له لما ملكه بأخذه . فيكون أخذ المالك له تملكا له ، إلا أن يعوضه ، فيجب أن يكون بقيمته ، كما لو أخذ الشقص المشفوع . ويجب على الغاصب أجر الأرض إلى حين تسليم الزرع ; لأن الزرع كان محكوما له به ، وقد شغل به أرض غيره . والرواية الثانية ، أنه يرد على الغاصب ما أنفق من البذر ، ومؤنة الزرع في الحرث والسقي ، وغيره . وهذا الذي ذكره . وهو ظاهر كلام القاضي وظاهر الحديث ، لقوله عليه السلام " عليه نفقته " . وقيمة الشيء لا تسمى نفقة له . الخرقي
والحديث ، مبني على هذه المسألة ; فإن إنما ذهب إلى هذا الحكم استحسانا ، على خلاف القياس ، فإن القياس أن الزرع لصاحب البذر ; لأنه نماء عين ماله ، فأشبه ما لو غصب دجاجة فحضنت بيضا له . أو طعاما فعلفه دواب له ، كان النماء له . وقد صرح به أحمد فقال : هذا شيء لا يوافق القياس ، أستحسن أن يدفع إليه نفقته ; للأثر . ولذلك جعلناه للغاصب إذا استحقت الأرض بعد أخذ الغاصب له ، وإذا كان العمل بالحديث ، فيجب أن يتبع مدلوله . أحمد
( 3951 ) فصل : فإن كان الزرع مما يبقى أصوله في الأرض ، ويجز مرة بعد أخرى كالرطبة والنعناع ، احتمل أن يكون حكمه ما ذكرنا ; لدخوله في عموم الزرع ، لأنه ليس له فرع قوي ، فأشبه الحنطة والشعير . واحتمل أن يكون حكمه حكم الغرس ; لبقاء أصله وتكرر أخذه ، ولأن القياس يقتضي أن يثبت لكل زرع مثل حكم الغرس ، وإنما ترك فيما تقل مدته للأثر ، ففيما عداه يبقى على قضية القياس .