( 3565 ) فصل : إذا . فالقول قول مدعي الوكالة منهما مع يمينه ; لأنه يدعي بقاء الحق على ما كان ، وينكر انتقاله ، والأصل معه ، فإن كان لأحدهما بينة حكم بها ; لأن اختلافهما في اللفظ ، وهو مما يمكن إقامة البينة عليه . وإن اتفقا على أنه قال : أحلتك بالمال الذي لي قبل زيد . كان لرجل على آخر دين ، فأذن لآخر في قبضه ، ثم اختلف هو والمأذون له ، فقال : وكلتك في قبض ديني بلفظ التوكيل . فقال : بل أحلتني بلفظ الحوالة . أو كانت بالعكس ، فقال : أحلتك بدينك . فقال : بل وكلتني
ثم اختلفا ، فقال المحيل : إنما وكلتك في القبض لي . وقال الآخر : بل أحلتني بديني عليك . فالقول قول مدعي الحوالة ، في أحد الوجهين ; لأن الظاهر معه فإن اللفظ حقيقة في الحوالة دون الوكالة ، فيجب حمل اللفظ على ظاهره ، كما لو اختلفا في دار في يد أحدهما . والثاني ، القول قول المحيل ; لأن الأصل بقاء حق المحيل على المحال عليه ، والمحتال يدعي نقله ، والمحيل ينكره ، والقول قول المنكر . فعلى الوجه الأول ، يحلف المحتال ويثبت حقه في ذمة المحال عليه ، ويستحق مطالبته ، ويسقط عن المحيل .
وعلى الوجه الثاني ، يحلف المحيل ، ويبقى حقه في ذمة المحال عليه . وعلى كلا الوجهين : إن كان المحتال قد قبض الحق من المحال عليه ، وتلف في يده ، فقد برئ كل واحد منهما من صاحبه ، ولا ضمان عليه ، سواء تلف بتفريطه أو غيره ; لأنه إن تلف بتفريط ، وكان المحتال محقا ، فقد أتلف ماله ، وإن كان مبطلا ، ثبت لكل واحد منهما في ذمة الآخر مثل ما في ذمته له ، فيتقاصان ، ويسقطان .
وإن تلف بغير تفريط ، فالمحال قد قبض حقه ، وتلف في يده ، وبرئ منه المحيل بالحوالة ، والمحال عليه بتسلمه ، والمحيل يقول : قد تلف المال في يد وكيلي بغير تفريط . فلا ضمان عليه . وإن لم يتلف ، احتمل أن لا يملك المحيل طلبه ; لأنه معترف أن له عليه من الدين مثل ما له في يده ، وهو مستحق لقبضه ، فلا فائدة في أن يقبضه منه ثم يسلمه إليه .
ويحتمل أن يملك أخذه منه ، ويملك المحتال مطالبته بدينه . وقيل : يملك المحيل أخذه منه ، ولا يملك المحتال المطالبة بدينه ; لاعترافه ببراءة المحيل منه بالحوالة . وليس بصحيح ; لأن المحتال إن اعترف بذلك ، فهو يدعي أنه قبض هذا المال منه بغير حق ، وأنه يستحق المطالبة به ، فعلى كلا الحالين ، هو مستحق للمطالبة بمثل هذا المال المقبوض منه ، في [ ص: 342 ] قولهما جميعا ، فلا وجه لإسقاطه ، ولا موضع للبينة في هذه المسألة ; لأنهما لا يختلفان في لفظ يسمع ، ولا فعل يرى ، وإنما يدعي المحيل بينة ، وهذا لا تشهد به البينة نفيا ولا إثباتا . ( 3566 )
فصل : وإن كانت المسألة بالعكس ، فقال : أحلتك بدينك . فقال : بل وكلتني . ففيها الوجهان أيضا ; لما قدمناه . فإن قلنا : القول قول المحيل . فحلف ، برئ من حق المحتال ، وللمحتال قبض المال من المحال عليه لنفسه ; لأنه يجوز له ذلك بقولهما معا ، فإذا قبضه كان له بحقه . وإن قلنا : القول قول المحتال ، فحلف كان له مطالبة المحيل بحقه ، ومطالبة المحتال عليه ; لأنه إما وكيل وإما محتال .
فإن قبض منه قبل أخذه من المحيل ، فله أخذ ما قبض لنفسه ; لأن المحيل يقول : هو لك . والمحتال يقول : هو أمانة في يدي ، ولي مثله على صاحبه ، وقد أذن له في أخذه ضمنا . فإذا أخذه لنفسه حصل غرضه ، ولم يأخذ من المحيل شيئا . وإن استوفى من المحيل ، رجع على المحال في أحد الوجهين ; لأنه قد تثبتت الوكالة بيمين المحتال ، وبقي الحق في ذمة المحال عليه للمحيل . والثاني ، لا يرجع عليه ; لأنه يعترف أنه قد برئ من حقه ، وإنما المحتال ظلمه بأخذ ما كان عليه . قال : والأول أصح . القاضي
وإن كان قد قبض الحوالة ، فتلفت في يده بتفريط ، أو أتلفها ، سقط حقه على الوجهين ; لأنه إن كان محقا فقد أتلف حقه ، وإن كان مبطلا فقد أتلف مثل دينه ، فيثبت في ذمته ويتقاصان . وإن تلفت بغير تفريطه ، فعلى الوجه الأول ، يسقط حقه أيضا ; لأن ماله تلف تحت يده . وعلى الثاني ، له أن يرجع على المحيل بحقه ، وليس للمحيل الرجوع على المحال عليه ; لأنه يعترف ببراءته .