( 1383 ) مسألة : قال : هذا في حق غير أهل المصر ، أما أهل المصر فيلزمهم كلهم الجمعة ، بعدوا أو قربوا . قال ( وتجب الجمعة على من بينه وبين الجامع فرسخ ) : أما أهل المصر فلا بد لهم من شهودها ، سمعوا النداء أو لم يسمعوا ; وذلك لأن البلد الواحد بني للجمعة ، فلا فرق بين القريب والبعيد ، ولأن المصر لا يكاد يكون أكثر من فرسخ ، فهو في مظنة القرب ، فاعتبر ذلك . وهذا قول أصحاب الرأي ، ونحوه قول أحمد . الشافعي
فأما غير أهل المصر ، فمن كان بينه وبين الجامع فرسخ فما دون ، فعليه الجمعة ، وإن كان أبعد فلا جمعة عليه . وروي نحو هذا عن وهو قول سعيد بن المسيب ، مالك . وروي عن والليث ، قال : الجمعة على من سمع النداء . وهذا قول عبد الله بن عمرو ، الشافعي وإسحاق ; لما روى ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { عبد الله بن عمرو } رواه الجمعة على من سمع النداء أبو داود .
والأشبه أنه من كلام ولأن النبي صلى الله عليه وسلم { عبد الله بن عمرو } . ولأن من سمع النداء داخل في عموم قول الله تعالى : { قال للأعمى الذي قال : ليس لي قائد يقودني : أتسمع النداء ؟ قال : نعم . قال : فأجب يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من [ ص: 107 ] يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } .
وروي عن ، ابن عمر ، وأبي هريرة ، وأنس والحسن ، ، ونافع وعكرمة ، والحكم ، وعطاء والأوزاعي ، أنهم قالوا : الجمعة على من آواه الليل إلى أهله ; لما روى ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أبو هريرة } . وقال أصحاب الرأي : لا جمعة على من كان خارج المصر ; لأن الجمعة على من آواه الليل إلى أهله رضي الله عنه صلى العيد في يوم جمعة ، ثم قال لأهل عثمان العوالي : من أراد منكم أن ينصرف فلينصرف ، ومن أراد أن يقيم حتى يصلي الجمعة فليقم .
ولأنهم خارج المصر ، فأشبه أهل الحلل . ولنا ، قول الله تعالى : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } . وهذا يتناول غير أهل المصر إذا سمعوا النداء ، وحديث ، ولأن غير أهل المصر يسمعون النداء ، وهم من أهل الجمعة ، فلزمهم السعي إليها ، كأهل المصر . عبد الله بن عمرو
وحديث غير صحيح ، يرويه أبي هريرة عبد الله بن سعيد المقبري ، وهو ضعيف ، قال : ذكرت هذا الحديث أحمد بن الحسن ، فغضب ، وقال : استغفر ربك ، استغفر ربك . وإنما فعل لأحمد بن حنبل هذا ، لأنه لم ير الحديث شيئا لحال إسناده . قال ذلك أحمد الترمذي . وأما ترخيص لأهل عثمان العوالي فلأنه إذا اجتمع عيدان اجتزئ بالعيد ، وسقطت الجمعة عمن حضره ، على ما قررناه فيما مضى .
وأما اعتبار أهل القرى بأهل الحلل فلا يصح ; لأن أهل الحلل غير مستوطنين ، ولا هم ساكنون بقرية ، ولا في موضع جعل للاستيطان .
وأما اعتبار حقيقة النداء فلا يمكن ; لأنه قد يكون من الناس الأصم وثقيل السمع ، وقد يكون النداء بين يدي المنبر ، فلا يسمعه إلا من في الجامع ، وقد يكون المؤذن خفي الصوت ، أو في يوم ذي ريح ، ويكون المستمع نائما أو مشغولا بما يمنع السماع ، فلا يسمع ، ويسمع من هو أبعد منه ، فيفضي إلى وجوبها على البعيد دون القريب ، وما هذا سبيله ينبغي أن يقدر بمقدار لا يختلف ، والموضع الذي يسمع منه النداء في الغالب - إذا كان المنادي صيتا ، في موضع عال ، والريح ساكنة ، والأصوات هادئة ، والمستمع سميع غير ساه ولا لاه - فرسخ ، أو ما قاربه ، فحد به ، والله أعلم .
( 1384 ) فصل : فإن كان بينهم أكثر من فرسخ لم يجب عليهم السعي إليه ، وحالهم معتبر بأنفسهم ، فإن كانوا أربعين واجتمعت فيهم شرائط الجمعة ، فعليهم إقامتها ، وهم مخيرون بين السعي إلى المصر ، وبين إقامتها في قريتهم ، والأفضل إقامتها ; لأنه متى سعى بعضهم أخل على الباقين الجمعة ، وإذا أقاموا حضرها جميعهم ، وفي إقامتها بموضعهم تكثير جماعات المسلمين . وأهل القرية لا يخلون من حالين : إما أن يكون بينهم وبين المصر أكثر من فرسخ ، أو لا ،
وإن كانوا ممن لا تجب عليهم الجمعة بأنفسهم فهم مخيرون بين السعي إليها ، وبين أن يصلوا ظهرا ، والأفضل السعي إليها ، لينال فضل الساعي إلى الجمعة ويخرج من الخلاف . والحال الثاني ، أن يكون بينهم وبين المصر فرسخ فما دون ، فينظر فيهم ، فإن كانوا أقل من أربعين فعليهم السعي إلى الجمعة ، لما قدمنا .
وإن كانوا ممن تجب عليهم الجمعة بأنفسهم ، وكان موضع الجمعة القريب منهم قرية أخرى ، لم يلزمهم السعي إليها ، وصلوا [ ص: 108 ] في مكانهم ، إذ ليست إحدى القريتين بأولى من الأخرى .
وإن أحبوا السعي إليها ، جاز ، والأفضل أن يصلوا في مكانهم ، كما ذكرنا من قبل . فإن سعى بعضهم فنقص عدد الباقين ، لزمهم السعي ; لئلا يؤدي إلى ترك الجمعة ممن تجب عليه . وإن كان موضع الجمعة القريب مصرا ، فهم مخيرون أيضا بين السعي إلى المصر ، وبين إقامة الجمعة في مكانهم ، كالتي قبلها .
ذكره . وعن ابن عقيل ، أن السعي يلزمهم ، إلا أن يكون لهم عذر فيصلون جمعة . والأول أصح ; لأن أهل القرية لا تنعقد بهم جمعة أهل المصر ، فكان لهم إقامة الجمعة في مكانهم ، كما لو سمعوا النداء من قرية أخرى ، ولأن أهل القرى يقيمون الجمع في بلاد الإسلام ، وإن كانوا قريبا من المصر ، من غير نكير . أحمد