الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وما سوى هذه الأشياء الخمسة لا ينقض الوضوء ، nindex.php?page=treesubj&link=203_228كدم الفصد والحجامة والقيء لما روى nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رضي الله عنه : { nindex.php?page=hadith&LINKID=2980أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وصلى ، ولم يتوضأ ، ولم يزد على غسل محاجمه } ) .
( الشرح ) أما حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس هذا فرواه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وغيرهما وضعفوه ويغني عنه ما سنذكره إن شاء الله تعالى . ومذهبنا أنه nindex.php?page=treesubj&link=228_203لا ينتقض الوضوء بخروج شيء من غير السبيلين ، كدم الفصد والحجامة والقيء والرعاف سواء قل ذلك أو كثر . وبهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=51وابن أبي أوفى nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة وعائشة nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=15959وسالم بن عبد الله بن عمر والقاسم بن محمد nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=17134ومكحول nindex.php?page=showalam&ids=15885وربيعة nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود . قال البغوي : وهو قول أكثر الصحابة والتابعين . وقالت طائفة : يجب الوضوء بكل ذلك ، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق . قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : وهو قول أكثر الفقهاء ، وحكاه غيره عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي رضي الله عنهما وعن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=16330وابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر . ثم اختلف هؤلاء في الفرق بين القليل والكثير ، واحتجوا بما روي عن معدان بن طلحة عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء { nindex.php?page=hadith&LINKID=25288 : أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر } " قال معدان فلقيت nindex.php?page=showalam&ids=99ثوبان فذكرت ذلك له ، فقال : أما صببت له وضوءه ؟ . وعن nindex.php?page=showalam&ids=12434إسماعيل بن عياش عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=10321إذا قاء أحدكم في صلاته أو قلس أو رعف [ ص: 63 ] فليتوضأ ، ثم ليبن على ما مضى ما لم يتكلم } " وبما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة : " إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فتوضئي لكل صلاة " فعلل وجوب الوضوء بأنه دم عرق وكل الدماء كذلك ، وعن يزيد بن خالد عن nindex.php?page=showalam&ids=17372يزيد بن محمد عن nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز عن تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=15812الوضوء من كل دم سائل } " وعن سلمان قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=18992رآني النبي صلى الله عليه وسلم وقد سال من أنفي دم فقال : أحدث لذلك وضوءا } " وعن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس { nindex.php?page=hadith&LINKID=27342 : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رعف في صلاته توضأ ، ثم بنى على ما بقي من صلاته } " ولأنه نجس خرج إلى محل يلحقه حكم التطهير فنقض كالبول . واحتج أصحابنا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس المذكور في الكتاب لكنه ضعيف كما سبق ، وأجود منه حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=5389أن رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حرسا المسلمين ليلة في غزوة ذات الرقاع ، فقام أحدهما يصلي ، فجاء رجل من الكفار فرماه بسهم فوضعه فيه ، فنزعه ثم رماه بآخر ثم ركع وسجد ودماؤه تجري } " رواه أبو داود في سننه بإسناد حسن . واحتج به أبو داود ، وموضع الدلالة أنه خرج دماء كثيرة واستمر في الصلاة ، ولو نقض الدم لما جاز بعده الركوع والسجود وإتمام الصلاة . وعلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولم ينكره وهذا محمول على أن تلك الدماء لم يكن يمس ثيابه منها إلا قليل يعفى عن مثله . هكذا قاله أصحابنا ولا بد منه وأنكر nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي على من يستدل بهذا الحديث مع سيلان الدماء على ثيابه وبدنه ويجاب عنه بما ذكرنا . واحتجوا أيضا بما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر رضي الله عنهم في ترك الوضوء من ذلك ولأن ما لا يبطل قليله لا يبطل كثيره كالجشاء وهذا قياس nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وأحسن ما أعتقده في المسألة أن الأصل أن لا نقض حتى يثبت بالشرع ولم يثبت ، والقياس ممتنع في هذا الباب ; لأن علة النقض غير معقولة . [ ص: 64 ] وأما الجواب عن احتجاجهم بحديث nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء فمن أوجه أحسنها أنه ضعيف مضطرب ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وغيره من الحفاظ . والثاني : لو صح لحمل على ما تغسل به النجاسة ، وهذا جواب nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وغيره . والثالث : أنه يحتمل الوضوء لا بسبب القيء فليس فيه أنه توضأ من القيء والجواب عن حديث nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج من أوجه أحسنها أنه ضعيف باتفاق الحفاظ ، وضعفه من وجهين : أحدهما : أن رواية nindex.php?page=showalam&ids=12434إسماعيل بن عياش عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج حجازي ، ورواية nindex.php?page=showalam&ids=12425إسماعيل عن أهل الحجاز ضعيفة عند أهل الحديث . والثاني : أنه مرسل ، قال الحفاظ : المحفوظ في هذا أنه عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ممن قال ذلك nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل nindex.php?page=showalam&ids=14327ومحمد بن يحيى الذهلي وعبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه وأبو زرعة وأبو أحمد بن عدي nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وغيرهم ، وقد بين nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي ذلك أحسن بيان . والجواب الثاني : لو صح لحمل على غسل النجاسة كما سبق وبه أجاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب وغيرهم ، والثالث : أنه محمول على الاستحباب . والجواب عن حديث المستحاضة من وجهين : أحدهما : أنه ضعيف غير معروف ، وحديث المستحاضة مشهور في الصحيحين بغير هذه الزيادة ، وهي ذكر الوضوء فهي زيادة باطلة . والثاني : لو صح لكان معناه إعلامها أن هذا الدم ليس حيضا بل هو موجب للوضوء لخروجه من محل الحدث ولم يرد أن خروج الدم - من حيث كان - يوجب الوضوء ، ومن العجب تمسكهم بهذا الحديث الضعيف [ ص: 65 ] الذي لو صح لم يكن فيه دلالة ، وقد قال إمام الحرمين في الأساليب : إن هذا الحديث مما يعتمدونه وهذا أشد تعجبا .
وأما حديث تميم الداري ، فجوابه من أوجه أحدها : أنه ضعيف وضعفه من وجهين : أحدهما : أن يزيد ويزيد الراويين مجهولان والثاني : أنه مرسل أو منقطع ، فإن nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز لم يسمع تميما . الجواب الثاني والثالث : لو صح حمل على غسل النجاسة أو الاستحباب ، والجواب عن حديثي سلمان nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس من الأوجه الثلاثة ، وأما قياسهم فرده أصحابنا وقالوا : الحدث المجمع عليه غير معقول المعنى ولا يصح القياس لعدم معرفة العلة قال nindex.php?page=showalam&ids=12918أبو بكر بن المنذر : لا وضوء في شيء من ذلك لأني لا أعلم - مع من أوجب الوضوء فيه - حجة . هذا كلام nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر الذي لا شك في إتقانه وتحقيقه وكثرة اطلاعه على السنة ومعرفته بالدلائل الصحيحة وعدم تعصبه والله أعلم .
وأما قول المصنف : لا ينقض الوضوء بشيء سوى هذه الخمسة فهو كقوله في أول الباب الذي ينقضه خمسة ، وقد قدمنا في أول الباب أنه ترك ثلاثة : انقطاع الحدث الدائم ، ونزع الخف ، والردة على خلاف فيهما .