[ ص: 78 ] فصل هذه وهي خمسة ، وكل صنف منها يشترط فيه حفظ المذهب وفقه النفس ، فمن تصدى للفتيا وليس بهذه الصفة فقد باء بأمر عظيم ، ولقد قطع أصناف المفتين إمام الحرمين وغيره بأن الأصولي الماهر المتصرف في الفقه لا يحل له الفتوى بمجرد ذلك ، ولو وقعت له واقعة لزمه أن يسأل عنها ، ويلتحق به المتصرف النظار البحاث ، من أئمة الخلاف وفحول المناظرين ; لأنه ليس أهلا لإدراك حكم الواقعة استقلالا ، لقصور آلته ، ولا من مذهب إمام ، لعدم حفظه له على الوجه المعتبر . فإن قيل : من حفظ كتابا أو أكثر في المذهب وهو قاصر ، لم يتصف بصفة أحد ممن سبق ، ولم يجد العامي في بلده غيره ، هل له الرجوع إلى قوله ؟ فالجواب : إن كان في غير بلده مفت يجد السبيل إليه وجب التوصل إليه بحسب إمكانه ، فإن تعذر ذكر مسألته للقاصر ، فإن وجدها بعينها في كتاب موثوق بصحته وهو ممن يقبل خبره نقل له حكمه بنصه ، وكان العامي فيها مقلدا صاحب المذهب ، قال : وهذا وجدته في ضمن كلام بعضهم ، والدليل يعضده ، وإن لم يجدها مسطورة بعينها لم يقسها على مسطور عنده ، وإن اعتقده من قياس لا فارق ، فإنه قد يتوهم ذلك في غير موضعه . فإن قيل : هل لمقلد أن يفتي بما هو مقلد فيه ؟ قلنا : قطع أبو عمرو أبو عبد الله الحليمي وأبو محمد الجويني وأبو المحاسن الروياني وغيرهم بتحريمه ، وقال : يجوز ، قال القفال المروزي : قول من منعه معناه لا يذكره على صورة من يقوله من عند نفسه ، بل يضيفه إلى إمامه الذي قلده ، فعلى هذا من عددناه من المفتين المقلدين ليسوا مفتين حقيقة ، لكن لما قاموا مقامهم وأدوا عنهم عدوا معهم ، وسبيلهم أن يقولوا مثلا : مذهب أبو عمرو كذا أو نحو هذا ، ومن ترك منهم الإضافة فهو اكتفاء بالمعلوم من الحال عن التصريح به ، ولا بأس بذلك . الشافعي