مواظبا عليه في جميع أوقاته ليلا ونهارا ، حضرا أو سفرا ، ولا يذهب من أوقاته شيئا في غير العلم ، إلا بقدر الضرورة ، لأكل ونوم قدرا لا بد منه ، ونحوهما كاستراحة يسيرة لإزالة الملل ، وشبه ذلك من الضروريات وليس بعاقل من أمكنه درجة ورثة الأنبياء ثم فوتها ، وقد قال وينبغي أن يكون حريصا على التعلم ، - رحمه الله - في رسالته : " حق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه ، والصبر على كل عارض دون طلبه ، وإخلاص النية لله تعالى في إدراك علمه نصا واستنباطا ، والرغبة إلى الله تعالى في العون عليه " . وفي صحيح الشافعي عن مسلم قال : " لا يستطاع العلم براحة الجسم " ذكره في أوائل مواقيت الصلاة . قال يحيى بن أبي كثير : أجود أوقات الحفظ الأسحار ، ثم نصف النهار ، ثم الغداة ، وحفظ الليل أنفع من حفظ النهار ، ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع . قال : وأجود أماكن الحفظ الغرف ، وكل موضع بعد عن الملهيات ، وقال : وليس [ ص: 69 ] بمحمود الحفظ بحضرة النبات ، والخضرة ، والأنهار ، وقوارع الطرق . لأنها تمنع غالبا خلو القلب . الخطيب البغدادي
وينبغي أن يصبر على جفوة شيخه ، وسوء خلقه ، ولا يصده ذلك عن ملازمته واعتقاد كماله ، ويتأول لأفعاله التي ظاهرها الفساد تأويلات صحيحة ، فما يعجز عن ذلك إلا قليل التوفيق . وإذا جفاه الشيخ ابتدأ هو بالاعتذار ، وأظهر أن الذنب له ، والعتب عليه ، فذلك أنفع له دينا ودنيا ، وأبقى لقلب شيخه . وقد قالوا : من لم يصبر على ذل التعلم بقي عمره في عماية الجهالة ، ومن صبر عليه آل أمره إلى عز الآخرة والدنيا . ومنه الأثر المشهور عن رضي الله عنهما : ( ذللت طالبا فعززت مطلوبا ) ابن عباس