[ ص: 419 ] ( الفصل الثاني )
في الوقت الذي يستحب فيه الإحرام والذي عليه أصحابنا : أنه يستحب فيه وهو جالس مستقبل القبلة ، وإن أحرم بعد ذلك فحسن ، وقد تقدم قول الإحرام في دبر الصلاة أحمد في - رواية المروذي - فإن وافقت صلاة مكتوبة صليت ، وإلا فصل ركعتين ، فإن أردت المتعة فقل : اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي وتقبلها مني وأعني عليها ، تسر ذلك في نفسك مستقبل القبلة ، وتشترط عند إحرامك تقول : إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني . وإن شئت أهللت على راحتك ، وذكر في الإفراد والقران مثل ذلك إلا أنه قال : فقل اللهم إني أريد العمرة والحج فيسرهما لي وتقبلهما مني لبيك اللهم عمرة وحجا قبل ذلك ، وكذلك قال - في رواية حنبل - إذا أراد الإحرام فإن وافق صلاة مكتوبة صلى ثم أحرم ، وإن شاء إذا استوى على راحلته ، وإن أحب أن يحرم من المسجد [ أحرم ، وإن شاء بعدما صلى في دبر الصلاة فأي ذلك فعل أجزأه بعد خروجه من المسجد ] في حديث . ابن عمر
[ ص: 420 ] وقال - في رواية عبد الله - : فإن وافق صلاة مكتوبة صلى ، ثم أحرم وإن شاء إذا استوى على راحلته .
وقال - في رواية أبي طالب - : فإن وافق صلاة مكتوبة صلى ثم أحرم ، وإن شاء إذا استوى على راحلته فلبى تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - . إذا أراد الإحرام استحب له أن يغتسل ، ويلبس إزارا ورداء
وجعل القاضي وغيره هذه النصوص - منه - : مقتضية للاستحباب عقيب الصلاة [ وإن شاء أحرم إذا استوت به راحلته ؛ لأن أحمد بدأ بالأمر بذلك ثم جوز الآخر ، ولأنه إنما شرع الإحرام عقيب الصلاة ] بناء على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحرم عقيبهما ، فيكون ذلك زائدا على رواية من روى أنه أحرم عند استواء ناقته وانبعاثها به ، ولأنه إذا كان مشروعا في هاتين الحالتين فتقديمه أفضل .
وقال في رواية - وقد سئل : أيما أحب إليك : الإحرام في دبر الصلاة ، أو إذا استوت به ناقته ؟ - [ قال : كل قد جاء دبر الصلاة وإذا استوت به ناقته ] وإذا علا البيداء . الأثرم
[ ص: 421 ] قال القاضي : وظاهر هذا أنه مخير في جميع ذلك ، وليس أحدهما بأولى من الآخر .
ولفظ أبي الخطاب : وعنه أن إحرامه عقيب الصلاة ، وإذا استوى على راحلته وإذا بدأ في السير سواء ، ولفظ غيره فيها : أن الإحرام عقيب الصلاة وحين تستوي به راحلته على البيداء سواء .
والمذهب على ما حكينا ، وأن المستحب : أن يحرم دبر الصلاة ، ومعنى قولنا إذا استوى على راحلته : أنها الحال التي يريد أن يأخذ في المسير .
وقد نقل عبد الله عن أبيه : أنه يلبس ثوبين ثم يقلد بدنته ثم يشعر ثم يحرم هكذا الأمر ، هكذا يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وعلى هذا : يستحب الإحرام إذا ركب وأراد الأخذ في السير ؛ لأن تقليد الهدي وإشعاره بعد الصلاة ، وقد جعل الإحرام بعده .
وإذا أحرم دبر الصلاة ففي أول أوقات التلبية ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه يلبي إذا استوت به راحلته كما ذكره الشيخ ، قاله الخرقي وذكره القاضي وابن عقيل في المجرد والفصول ، وهو المنصوص عنه في رواية قال : قد يكون الرجل محرما بغير تلبية إذا عزم على الإحرام وقد [ ص: 422 ] يلبي الرجل ولا يحرم ولا يكون عليه شيء وهو يعزم على الإحرام ، فإذا انبعثت به راحلته لبى . الأثرم ؛
والثاني : أن أول حال تشرع فيها التلبية إذا أشرف على البيداء لا في أول الإحرام ، ذكره القاضي في بعض المواضع .
والثالث : أنه يلبي عقيب إحرامه في دبر الصلاة وهو الذي استقر عليه قول القاضي وغيره من أصحابنا ، وقد نص في رواية المروذي على أنه يصل الإحرام بالتلبية .
قال أحمد - في رواية حرب وقد سأله عن ؟ قال : يلبي متى شاء ساعة يسلم ، وإن شاء بعد ذلك وسهل فيه . الرجل إذا أحرم في دبر الصلاة أيلبي ساعة يسلم أم متى
وأكثر نصوص أحمد تدل على أن زمن الإحرام هو زمن التلبية - كما تقدم عنه - : أنه مخير بين الإحرام والإهلال عقيب الصلاة ، وعلى الراحلة ولم يذكر في شيء من ذلك أنه يحرم عقيب الصلاة ويلبي إذا استوت به راحلته .
وسبب هذا : الاختلاف في وقت ، فروى إحرام النبي - صلى الله عليه وسلم - وإهلاله نافع [ ص: 423 ] قال : " يأتي مسجد ابن عمر ذي الحليفة فيصلي ، ثم يركب فإذا استوت به راحلته قائمة أحرم ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " رواه كان . البخاري
وفي لفظ - له - : بذي الحليفة ، ثم يهل حين تستوي به قائمة " . " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركب راحلته
قال : " بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها ما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند المسجد " يعني مسجد ذي الحليفة ، وفي رواية " ما أهل إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره ابن عمر " متفق عليها . وعن
وفي رواية عنه : بذي الحليفة ركعتين ، ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل بهؤلاء الكلمات " رواه " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهل ملبدا يقول : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك [ لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ] [ ص: 424 ] وقال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركع مسلم .
وعنه أيضا - قال : ذي الحليفة " متفق عليه . " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وضع رجله في الغرز وانبعثت به راحلته قائمة أهل من
وهذا يبين أنه أهل لما انبعثت به إلى القيام وهو استواؤها ؛ لأن البعير إذا نهض يكون منحنيا ، فإذا استوى صار قائما .
وهذا كله يبين أنه أهل حين استواء البعير وإرادة المسير قبل أن يشرع في السير ، فعلى هذا تكون التلبية عوضا عن الذكر المشروع .
[ ص: 425 ] وعن رضي الله عنهما جابر بن عبد الله ذي الحليفة حين استوت به راحلته " رواه " أن إهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ، وقال : رواه البخاري أنس . وابن عباس
وعن قال : أنس بن مالك وبذي الحليفة ركعتين ، ثم بات حتى أصبح بذي الحليفة ، فلما ركب راحلته واستوت به أهل " رواه " صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة أربعا ، ، البخاري إلى قوله : " ركعتين " . ولمسلم
وعن قال : ابن عباس بذي الحليفة ، ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن ، وسلت الدم عنها ، وقلدها نعلين ثم ركب راحلته ، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج " رواه " صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر أحمد ومسلم وأبو داود . والنسائي
فهذه نصوص صحيحة أنه إنما أهل حين استوت به راحلته واستوى [ ص: 426 ] عليها ، ورواتها مثل ابن عمر وجابر وأنس في رواية صحيحة . وابن عباس
ثم من قال من أصحابنا : يحرمون عقيب الصلاة قال : قد جاء أنه أحرم عقيب الصلاة ، وهنا أنه أهل إذا استوت به راحلته ، فتحمل تلك الرواية على الإحرام المجرد ، وهذه على الإهلال ؛ لأن ، وإنما تكون الإجابة إذا أراد أن يأخذ في الذهاب إليه بخلاف الإحرام فإنه عقد وإيجاب ففعله عقيب الصلاة أقرب إلى الخشوع . التلبية إجابة الداعي
وأما رواية البيداء فروي عن : " أنس بن مالك جبل البيداء أهل " رواه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر ثم ركب راحلته ، فلما علا على أحمد وأبو داود ، وقد روى والنسائي نحوه ، وعن البخاري قال : جابر بن عبد الله رواه " لما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحج أذن في الناس فاجتمعوا ، فلما أتى البيداء [ ص: 427 ] أحرم " وقال : حديث حسن صحيح ، ورواه الترمذي مسلم في حديثه الطويل ، ولفظه :
وعن " فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ، ثم ركب القصوى ، حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش ، وعن يمينه مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله ، وما عمل به من شيء عملنا به ، فأهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " . قال : سعد بن أبي وقاص جبل البيداء " رواه أبو داود . " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ طريق الفرع أهل إذا استقلت به راحلته ، وإذا أخذ طريق أحد أهل إذا أشرف على [ ص: 428 ]
ووجه الأول ما روى خصيف عن عن سعيد بن جبير ابن عباس رواه الخمسة إلا " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبى في دبر الصلاة " ، ولفظ أبا داود أحمد : وقال " لبى في دبر الصلاة " : حديث حسن غريب ، وفي رواية [ ص: 429 ] الترمذي لأحمد عن وأبي داود سعيد قال : " : عجبا لاختلاف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إهلاله ، فقال : إني لأعلم الناس بذلك إنما كانت منه حجة واحدة فمن هنالك اختلفوا ، خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجا فلما صلى في مسجده لابن عباس بذي الحليفة ركعتين أوجب في مجلسه ، فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه فسمع ذلك منه أقوام ، فحفظوا عنه ، ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل ، فأدرك ذلك منه أقوام فحفظوا عنه ، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالا فسمعوه حين استقلت به ناقته ثم مضى فلما علا على شرف البيداء أهل ، فأدرك ذلك أقوام فقالوا : إنما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين علا شرف البيداء ، وايم الله لقد أوجب في مصلاه وأهل حين استقلت به راحلته ، وأهل حين علا على شرف البيداء " . قلت
ورواه وقال : " الأثرم " ولعل هذا اللفظ هو الذي اعتمده بعض أصحابنا . أوجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإحرام حين فرغ من صلاته ، ثم خرج فلما ركب راحلته واستوت به ناقته أهل
[ ص: 430 ] وروى .... عن أنه قال : ابن عباس " أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجد ذي الحليفة وأنا معه ، وناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند باب المسجد معها ، ثم خرج فركب فأهل فظن وابن عمر أنه أهل في ذلك الوقت " ابن عمر .
وهذه رواية مفسرة فيها زيادة علم واطلاع على ما خفي في غيرها ، فيجب التقيد بها واتباعها ، وليس هذا مخالفا لما تقدم عنه أنه أهل حين استوت به على البيداء ؛ لأن تلك الرواية بعض هذه .
وعن عن أشعث بن عبد الملك الحسن عن : أنس جبل البيداء وأهل بالحج والعمرة حين صلى الظهر " رواه " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بالبيداء ثم ركب وصعد ، ويدل عليه ما روى النسائي عمر قال : بوادي العقيق يقول : أتاني الليلة آت من ربي - عز وجل - فقال : صل في هذا الوادي المبارك وقل : عمرة في حجة ، وفي لفظ : " عمرة وحجة " رواه " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو وغيره ، فلم يجعل بين الصلاة والإحرام فصلا . البخاري
[ ص: 431 ] وأيضا فإن كل صلاة مشروعة لسبب بعدها : فإنه يستحب أن يوصل بها كصلاة الاستخارة وصلاة الحاجة وصلاة الاستسقاء وغير ذلك .
فإن إحرامه جالسا مستقبل القبلة أقرب إلى اجتماع همه وحضور قلبه ، وهو بعد الصلاة أقرب إلى الخشوع منه عند الركوب ، فإحرامه حال الخشوع أولى ، وقد بين في هذا الحديث أنه لبى عقيب الصلاة ، وكذلك جميع الأحاديث ليس فيها فرق بين الإحرام والتلبية .
بل التلبية والإهلال والإحرام وفرض الحج بمعنى واحد ، ولهذا في حديث : ابن عمر فعلم أنه إنما قصد ابتداء الإحرام . " أنه أحرم حين استوت به ناقته " وفي لفظ : " أنه أهل "
[ ص: 432 ] فمن زعم أنه فهو مخالف لجميع الأحاديث ولعامة نصوص أحرم ولم يلب ، ثم لبى حين استوت به ناقته أحمد .
والإحرام من مكة من المتمتع كغيره يحرم عقيب الركعتين اللتين يصليهما بعد طواف سبع ، ذكره القاضي وغيره ، وقد قال أحمد - في رواية حرب - : إذا كان يوم التروية أهل بالحج من المسجد .
والمنصوص عنه - في رواية عبد الله في حق المتمتع - : إذا كان يوم التروية طاف بالبيت فإذا خرج من المسجد لبى بالحج ، فذكر أنه يهل إذا خرج من المسجد ، وفي موضع آخر : قلت : ؟ قال : إذا جعل البيت خلف ظهره ، قلت فإن بعض الناس يقول : يحرم من الميزاب ؟ قال : إذا جعل البيت خلف ظهره أهل . من أين يحرم بالحج
فقد نص على أنه يهل إذا أخذ في الخروج من المسجد والذهاب إلى منى ، وهذا يوافق رواية من روى أنه يهل إذا استقلت به ناقته خارجا من مسجد ذي الحليفة .
والتلبية عقيب الإحرام ، إنما تستحب إذا كانت في البرية والصحراء ، فإن كانت في الأمصار لم تستحب حتى يبرز ؛ لأنها لا تستحب في الأمصار ، ذكره [ ص: 433 ] القاضي في رواية أحمد بن علي ، وقد سئل إذا أحرم في مصره يلبي ، فقال : ما يعجبني ، كأنه ذهب إلى التلبية من وراء الجدر .
وقال - في رواية المروذي - : التلبية إذا برز عن البيوت .
فإن كان الإحرام في مسجد في البرية أو في قرية ... .