فصل
مكروه ، نص عليه حتى قال : " من له حمام لا يبيعه على أنه حمام ، يبيعه على أنه عقار [ ص: 407 ] ويهدم الحمام " وكره غلته ، وإن اشترط على المكتري أن لا يدخله أحدا إلا بمئزر إذا كان الشرط لا ينضبط ، وقال : " فمن بنى حماما للنساء ليس بعدل " ؛ لأنه لا يسلم غالبا من المحرمات مثل نظر العورات وكشفها ودخول النساء ، وهذه الكراهة كراهة تنزيه عند كثير من أصحابنا ، وقال القاضي : " لا يجوز بناؤها وبيعها وإجارتها ، كما لم يجز عمل آلة اللهو وبيعها وإجارتها ، وعمل أواني الذهب والفضة ، وعمل بيت النار والبيع " وهذا ينبغي أن يحمل على بلاد لا يضطرون إلى الحمامات وبناء الحمام من الآمر والصانع وبيعه وشراؤه وكراؤه كالحجاز والعراق ومصر ، فأما البلاد الباردة كالشام والجزيرة وأرمينية وتشاءم عنها وغيرها فإنهم لا يقدرون على الاغتسال في الشتاء إلا في الحمامات ؛ ولهذا قال عمر : " عليكم بالشمس فإنها حمام العرب " ولهذا لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم " " . أنها ستفتح بلاد العجم ، وأن فيها بيوتا يقال لها : الحمامات ، لم يأمر بهدمها
وتكره قراءة القرآن فيه ، نص عليه ؛ لما روى بإسناده عن ابن بطة قال : " كتب معاوية بن قرة عمر إلى الأشعري أن عندك بيوتا يقال لها : الحمامات ، فلا يقرأ فيها آية من كتاب الله " .
وبإسناده عن علقمة عن في القراءة قال : " ليس لذلك بني " وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : " بئس البيت الحمام ، نزع من أهله الحياء ولا يقرأ فيه القرآن " رواه علي بن أبي طالب سعيد ، واحتج به إسحاق . ولا بأس بذكر الله فيه ؛ لما روى بإسناده عن ابن بطة إبراهيم أن دخل [ ص: 408 ] الحمام فقال : " لا إله إلا الله " وعن أبا هريرة قال : " دخلت مع بكر بن عبد الله الحمام ، فضرب يده في الحوض فقال : نعم البيت هذا لمن أراد أن يتذكر ، وبئس البيت هذا لمن نزع الله منه الحياء " . عبد الله بن عمر
وعن سفيان بن عبد الله قال : " كانوا يستحبون إذا دخلوا الحمام أن يقولوا : يا بر يا رحيم ، من وقنا عذاب السموم " .
وأما السلام فيه فقال أحمد : " لا أعلم أني سمعت فيه شيئا " وكرهه أبو حفص والقاضي وابن عقيل ؛ لما روى بإسناده عن ابن بطة الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : " " . ليس في الحمام سلام ولا تسليم
ورخص فيه بعضهم ؛ لأنه كالذكر وأولى منه ، ولأنه أشبه الخلاء من حيث هو مظنة ظهور العورات وصب الأقذار والنجاسات ومحتضر الشياطين .
قال العباس بن عبد الرحمن بن مينا : قال إبليس : يا رب اجعل لي بيوتا ، قال : بيوتك الحمامات . رواه
وفارقه من حيث وجود الاستتار فيه وتطهره من الأوساخ ، فمنع من القراءة فيه دون الذكر ؛ لأنها أعظم حرمة منه ، ولذلك منعها الجنب ، وأما ماؤها إذا كان مسخنا بالنجاسة فقد تقدم حكمه ، وإن كان مسخنا بالطاهر فلا بأس [ ص: 409 ] به ، قال إبراهيم الحربي . الخلال : " ثبت عن أصحاب أبي عبد الله - يعني في روايتهم عنه - أنه يجزئ أن يغتسل به ولا يغتسل منه " قال الإمام أحمد - رضي الله عنه - : " ماء الحمام عندي طاهر " وقال أيضا : " هو بمنزلة الماء الجاري " .
وقال أيضا : " " ، وقال أيضا : " يجزئه ماء الحمام وفي هذا اختلاف " . لا بأس بالوضوء من ماء الحمام
وروى حنبل بإسناده عن إبراهيم " أن أصحاب عبد الله كانوا لا يغتسلون من ماء الحمام ، وكان أصحاب علي يغتسلون منه ، قال أبو عبد الله : أذهب إلى فعل أصحاب عبد الله " وقال في رواية أخرى : " إذا كان يوقد بالعذرة لا تدخله ، إلا إذا دخلت فخرجت ، يكون لك ما تصبه عليك " وهذا مبني على ما تقدم ، فإنه إذا سخن بالطاهرات وجرى في موضع طاهر فلا وجه للكراهة ، وإن سخن بالنجاسات مع وثاقة الحاجر بين النار والماء فكلامه هنا يقتضي روايتين ؛ لأنه كرهه في رواية وذكر الاختلاف في رواية أخرى ، واختار الرخصة ، ومن أصحابنا من يحمل الرخصة على ما إذا كان الوقود طاهرا ، والكراهة في الوقود النجس ، ومن كرهه فلكراهته سببان :
أحدهما : كونه سخن بالنجاسات .
والثاني : كونه ماء قليلا تقع فيه يد الجنب ، وذلك مختلف في نجاسته وفي طهوريته ، وربما كانت اليد نجسة ، وقد احتاط لذلك فقال : " يأخذ من الأنبوبة ولا يدخل يده إلا طاهرة " وقال أيضا : " من الناس من يشدد فيه ومنهم من [ ص: 410 ] يقول : " هو بمنزلة الماء الجاري " لأنه ينزف ويخرج الأول فالأول ، وإنما احتاط بذلك لأن من الناس من يجعله كالماء الدائم ، وذلك يصير مستعملا بوضع الجنب يده فيه في إحدى الروايتين . ومن أصحابنا من علل ذلك بخوف نجاسة اليد ، فأما ما يأخذه من الأنبوبة فإنه جار بلا تردد ، ومذهبه أن الجميع كالماء الجاري إذا كان فائضا ، وكذلك المياه التي تجتمع في البرك ونحوها ويغتض من بعض جوانبها ؛ وذلك لأن ذلك الماء نزف ، وكلما خرج شيء ذهب شيء ؛ ولهذا لو كان متغيرا بشيء من الطاهرات والنجاسات زال التغير بعد زمان يسير ، فأشبه الحفائر التي تكون في أثناء الأنهار الصغار والكبار .