أما قوله تعالى : ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) فالمراد منه أن فرض الصوم في الأيام المعدودات إنما يلزم الأصحاء المقيمين فأما من كان مريضا أو مسافرا فله تأخير الصوم عن هذه الأيام إلى أيام أخر ، قال القفال رحمه الله : انظروا إلى عجيب ما نبه الله عليه من سعة فضله ورحمته في هذا التكليف ، وأنه تعالى بين في أول الآية أن لهذه الأمة في هذا التكليف أسوة بالأمة المتقدمة ، والغرض منه ما ذكرنا أن الأمور الشاقة إذا عمت خفت .
ثم ثانيا : بين وجه ، وهو أنه سبب لحصول التقوى ، فلو لم يفرض الصوم لفات هذا المقصود الشريف . الحكمة في إيجاب الصوم
ثم ثالثا : بين أنه مختص بأيام معدودة ، فإنه لو جعله أبدا أو في أكثر الأوقات لحصلت المشقة العظيمة .
ثم بين رابعا : أنه خصه من الأوقات بالشهر الذي أنزل فيه القرآن لكونه أشرف الشهور بسبب هذه الفضيلة .
ثم بين خامسا : إزالة المشقة في إلزامه فأباح تأخيره لمن شق عليه من المسافرين والمرضى إلى أن يصيروا إلى الرفاهية والسكون ، فهو سبحانه راعى في إيجاب الصوم هذه الوجوه من الرحمة فله الحمد على نعمه كثيرا ، إذا عرفت هذا فنقول : في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قوله تعالى : ( فمن كان منكم مريضا ) إلى قوله : ( أخر ) فيه معنى الشرط والجزاء أي من يكن منكم مريضا أو مسافرا فأفطر فليقض ، وإذا قدرت فيه معنى الشرط كان المراد بقوله " كان " الاستقبال لا الماضي ، كما تقول : من أتاني أتيته .