المسألة الثانية : ؛ لأن الفعل - إثباتا كان أو نفيا - يقتضي أمرا ما يكون هو مسندا إليه ، فحصول ماهية الفعل في الذهن يستلزم حصول شيء يسند الذهن ذلك الفعل إليه ، والمنتقل إليه متأخر بالرتبة عن المنتقل عنه ، فلما وجب كون الفعل مقدما على الفاعل في الذهن وجب تقدمه عليه في الذكر ، فإن قالوا : لا نجد في العقل فرقا بين قولنا : " ضرب زيد " وبين قولنا " زيد ضرب " قلنا : [ ص: 55 ] الفرق ظاهر لأنا إذا قلنا : زيد ، لم يلزم من وقوف الذهن على معنى هذا اللفظ أن يحكم بإسناد معنى آخر إليه ، أما إذا فهمنا معنى لفظ ضرب لزم منه حكم الذهن بإسناد هذا المفهوم إلى شيء ما . الفعل يجب تقديمه على الفاعل
إذا عرفت هذا فنقول : إذا قلنا : " ضرب زيد " فقد حكم الذهن بإسناد مفهوم ضرب إلى شيء ، ثم يحكم الذهن بأن ذلك الشيء هو زيد الذي تقدم ذكره ، فحينئذ قد أخبر عن زيد بأنه هو ذلك الشيء الذي أسند الذهن مفهوم ضرب إليه ، وحينئذ يصير قولنا : زيد ، مخبرا عنه ، وقولنا : ضرب ، جملة من فعل وفاعل وقعت خبرا عن ذلك المبتدأ .