المسألة السادسة : احتجوا بهذه الآية على أنه لا يجوز ؛ لأن الآية لما دلت على وجوب ذلك التعليم كان أخذ الأجرة عليه أخذا للأجرة على أداء الواجب ، وأنه غير جائز ، ويدل عليه أيضا قوله تعالى : ( أخذ الأجرة على التعليم إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا ) [ البقرة : 174 ] وظاهر ذلك يمنع أخذ الأجرة على الإظهار وعلى الكتمان جميعا ؛ لأن قوله : ( ويشترون به ثمنا قليلا ) مانع أخذ البدل عليه من جميع الوجوه .
أما قوله تعالى : ( من بعد ما بيناه للناس في الكتاب ) قبل في التوراة والإنجيل من صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ومن الأحكام ، وقيل : أراد بالمنزل الأول ما في كتب المتقدمين ، والثاني : ما في القرآن .
أما قوله تعالى : ( أولئك يلعنهم الله ) ، وفي عرف الشرع الإبعاد من الثواب . فاللعنة في أصل اللغة هي الإبعاد
أما قوله تعالى : ( ويلعنهم اللاعنون ) فيجب أن يحمل على من للعنته تأثير ، وقد اتفقوا على أن الملائكة والأنبياء والصالحين كذلك فهم داخلون تحت هذا العموم لا محالة ، ويؤكده قوله تعالى : ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) [ البقرة : 161 ] والناس ذكروا وجوها أخر : أحدها : أن اللاعنين هم دواب الأرض وهوامها ، فإنها تقول : منعنا القطر بمعاصي بني آدم عن ، مجاهد وعكرمة ، وإنما قال : ( اللاعنون ) ولم يقل اللاعنات لأنه تعالى وصفها بصفة من يعقل ، فجمعها جمع من يعقل كقوله : ( والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) [ يوسف : 4 ] و ( ياأيها النمل ادخلوا مساكنكم ) [ النمل : 18 ] ، ( وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ) [ فصلت : 21 ] ، ( وكل في فلك يسبحون ) [ يس : 40 ] .
وثانيها : كل شيء سوى الثقلين الجن والإنس ، فإن قيل : قلنا : على وجهين : كيف يصح اللعن من البهائم والجمادات ؟
الأول : على سبيل المبالغة ، وهو أنها لو كانت عاقلة لكانت تلعنهم .
الثاني : أنها في الآخرة إذا أعيدت وجعلت من العقلاء فإنها تلعن من فعل ذلك في الدنيا ومات عليه .
وثالثها : أن أهل النار يلعنونهم أيضا حيث كتموهم الدين ، فهو على العموم .
ورابعها : قال ابن مسعود : اليهود الذين كتموا ما أنزل الله سبحانه وتعالى . إذا تلاعن المتلاعنان وقعت اللعنة على المستحق ، فإن لم يكن مستحق رجعت على
وخامسها : عن : إن لهم لعنتين : لعنة الله ، ولعنة الخلائق . قال : وذلك ابن عباس فيقول : ما أدري فيضرب ضربة يسمعها كل شيء إلا الثقلين الإنس والجن ، فلا يسمع شيء صوته إلا لعنه ، ويقول له الملك : لا دريت ولا تليت ، كذلك كنت في الدنيا . إذا وضع الرجل في قبره فيسأل : ما دينك ؟ ومن نبيك ؟ ومن ربك ؟
وسادسها : قال أبو مسلم : ( اللاعنون ) هم الذين آمنوا به ، ومعنى اللعن منهم : مباعدة [ ص: 150 ] الملعون ومشاقته ومخالفته مع السخط عليه والبراءة منه . قال القاضي : دلت الآية على أن هذا ؛ لأنه تعالى أوجب فيه اللعن ، ويدل على أن أحدا من الأنبياء لم يكتم ما حمل من الرسالة وإلا كان داخلا في الآية . الكتمان من الكبائر