( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )
قوله تعالى ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )
اعلم أنه تعالى لما قال : ( وبشر الصابرين ) بين في هذه الآية أن الإنسان كيف يكون صابرا ، وأن تلك البشارة كيف هي ؟ ثم في الآية مسائل :
[ ص: 140 ] المسألة الأولى : اعلم أن هذه ، أما الخوف الذي يكون من الله فمثل الخوف من الغرق والحرق والصاعقة وغيرها ، والذي من فعل العبد ، فهو أن العرب كانوا مجتمعين على عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأما الجوع فلأجل الفقر ، وقد يكون الفقر من الله بأن يتلف أموالهم ، وقد يكون من العبد بأن يغلبوا عليه فيتلفوه ، ونقص الأموال من الله تعالى إنما يكون بالجوائح التي تصيب الأموال والثمرات ، ومن العدو إنما يكون لأن القوم لاشتغالهم لا يتفرغون لعمارة الأراضي ، ونقص الأنفس من الله بالإماتة ومن العباد بالقتل . المصائب قد تكون من فعل الله تعالى وقد تكون من فعل العبد
المسألة الثانية : قال القاضي : إنه تعالى لم يضف هذه المصيبة إلى نفسه بل عمم ، وقال : ( الذين إذا أصابتهم مصيبة ) فالظاهر أنه يدخل تحتها كل مضرة ينالها من قبل الله تعالى ، وينالها من قبل العباد ؛ لأن في الوجهين جميعا عليه تكليفا ، وإن عدل عنه إلى خلافه كان تاركا للتمسك بأدائه ، فالذي يناله من قبله تعالى يجب أن يعتقد فيه أنه حكمة وصواب وعدل وخير وصلاح ، وأن الواجب عليه الرضا به وترك الجزع ، وكل ذلك داخل تحت قوله : ( إنا لله ) لأن في إقرارهم بالعبودية تفويض الأمور إليه والرضا بقضائه فيما يبتليهم به ؛ لأنه لا يقضي إلا بالحق كما قال تعالى : ( والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء ) [ غافر : 20 ] أما إذا نزلت به المصيبة من غيره فتكليفه أن يرجع إلى الله تعالى في الانتصاف منه ، وأن يكظم غيظه وغضبه فلا يتعدى إلى ما لا يحل له من شفعاء غيظه ، ويدخل أيضا تحت قوله : ( إنا لله ) لأنه الذي ألزمه سلوك هذه الطريقة حتى لا يجاوز أمره ، كأنه يقول في الأول : إنا لله يدبر فينا كيف يشاء ، وفي الثاني يقول : إنا لله ينتصف لنا كيف يشاء .
المسألة الثالثة : أمال الكسائي في بعض الروايات من ( إنا ) ولام ( لله ) والباقون بالتفخيم ، وإنما جازت الإمالة في هذه الألف للكسرة مع كثرة الاستعمال ، حتى صارت بمنزلة الكلمة الواحدة ، قال الفراء والكسائي : لا يجوز إمالة ( إنا ) مع غير اسم الله تعالى ، وإنما وجب ذلك لأن الأصل في الحروف وما جرى مجراها امتناع الإمالة ، وكذلك لا يجوز إمالة ( حتى ) و ( لكن ) .