( ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى )
الدليل الثاني على صحة القول بالحشر : ، وهو المراد من قوله تعالى : ( الاستدلال بالخلقة الأولى على الإعادة ألم يك نطفة من مني يمنى ) ، وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : النطفة هي الماء القليل ، وجمعها نطاف ونطف ، يقول : ألم يك ماء قليلا في صلب الرجل وترائب المرأة ؟ وقوله : ( من مني يمنى ) أي : يصب في الرحم ، وذكرنا الكلام في " يمنى " عند قوله : ( من نطفة إذا تمنى ) وقوله : ( أفرأيتم ما تمنون ) [ الواقعة : 58] فإن قيل : ما الفائدة في " يمنى " في قوله : ( من مني يمنى ) ؟ قلنا : فيه إشارة إلى حقارة حاله ، كأنه قيل : إنه مخلوق من المني الذي جرى على مخرج النجاسة ، فلا يليق بمثل هذا الشيء أن يتمرد عن طاعة الله تعالى ؛ إلا أنه عبر عن هذا المعنى على سبيل الرمز كما في قوله تعالى في عيسى ومريم : ( كانا يأكلان الطعام ) [ المائدة : 75] والمراد منه قضاء الحاجة .
المسألة الثانية : في " يمنى " في هذه السورة قراءتان التاء والياء ، فالتاء للنطفة ، على تقدير : ألم يك نطفة تمنى من المني ، والياء للمني من " مني يمنى " ، أي : يقدر خلق الإنسان منه .
قوله تعالى : ( فخلق فسوى ) ففيه وجهان :
الأول : فخلق فقدر فسوى فعدل .
الثاني : فخلق ، أي : فنفخ فيه الروح ، فسوى فكمل أعضاءه ، وهو قول ابن عباس ومقاتل .
ثم قال تعالى : ( فجعل منه ) أي من الإنسان ( الزوجين ) يعني الصنفين .
ثم فسرهما فقال : ( الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) والمعنى : أليس ذلك الذي أنشأ هذه الأشياء ، روي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال : سبحانك بلى والحمد لله رب العالمين . وصلاته على سيدنا بقادر على الإعادة محمد سيد المرسلين وآله وصحبه وسلم .