( وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) قال المبرد : " ديارا " لا تستعمل إلا في النفي العام ، يقال : ما بالدار ديار . ولا تستعمل في جانب الإثبات ، قال أهل العربية : هو فيعال من الدور ، [ ص: 130 ] وأصله ديوار فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الأخرى ، قال الفراء والزجاج : وقال : ما بها ديار أي نازل دار . ابن قتيبة
ثم قال تعالى : ( إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) فإن قيل : كيف عرف نوح عليه السلام ذلك ؟ قلنا : للنص والاستقراء ، أما النص فقوله تعالى : ( أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ) [هود : 36] وأما الاستقراء ، فهو أنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فعرف طباعهم وجربهم ، وكان الرجل منهم ينطلق بابنه إليه ، ويقول : احذر هذا فإنه كذاب ، وإن أبي أوصاني بمثل هذه الوصية ، فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك ، وقوله : ( ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) فيه وجهان :
أحدهما : أنهم يكونون في علمك كذلك .
والثاني : أنهم سيصيرون كذلك .
واعلم أنه عليه السلام لما دعا على الكفار قال بعده : ( رب اغفر لي ) أي : فيما صدر عني من ترك الأفضل ، ويحتمل أنه حين دعا على الكفار إنما دعا عليهم بسبب تأذيه منهم ، فكان ذلك الدعاء عليهم كالانتقام ، فاستغفر عن ذلك لما فيه من طلب حظ النفس .
ثم قال : ( ولوالدي ) أبوه لمك بن متوشلخ وأمه شمخاء بنت أنوش ، وكانا مؤمنين ، وقال عطاء : لم يكن بين نوح وآدم عليهما السلام من آبائه كافر ، وكان بينه وبين آدم عشرة آباء . وقرأ الحسن بن علي ولولدي يريد ساما وحاما .