ثم قال تعالى : ( ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير )
أمر بتكرير البصر في خلق الرحمن على سبيل التصفح والتتبع ، هل يجد فيه عيبا وخللا ، يعني أنك إذا كررت نظرك لم يرجع إليك بصرك بما طلبته من وجدان الخلل والعيب ، بل يرجع إليك خاسئا أي مبعدا من قولك : خسأت الكلب إذا باعدته ، قال : الخاسئ المبعد المصغر ، وقال المبرد : الخاسئ الذي لم ير ما يهوى ، وأما الحسير فقال ابن عباس : هو الكليل ، قال ابن عباس الليث : الحسر والحسور الإعياء ، وذكر الواحدي ههنا احتمالين :
أحدهما : أن يكون الحسير مفعولا من حسر العين بعد المرئي ، قال رؤبة :
يحسر طرف عينه فضاؤه
الثاني : قول الفراء : أن يكون فاعلا من الحسور الذي هو الإعياء ، والمعنى أنه وإن كرر النظر وأعاده فإنه لا يجد عيبا ولا فطورا ، بل البصر يرجع خاسئا من الكلال والإعياء ، وههنا سؤالان :
السؤال الأول : كيف ينقلب البصر خاسئا حسيرا برجعه كرتين اثنتين ؟ الجواب : التثنية للتكرار بكثرة كقولهم : لبيك وسعديك يريد إجابات متوالية .
السؤال الثاني : فما معنى ( ثم ارجع ) الجواب : أمره برجع البصر ثم أمره بأن لا يقنع بالرجعة الأولى ، بل أن يتوقف بعدها ويجم بصره ثم يعيده ويعاوده إلى أن يحسر بصره من طول المعاودة فإنه لا يعثر على شيء من فطور .