( إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير )
[ ص: 260 ] ثم إنه أخبر المؤمنين بعداوة كفار أهل مكة فقال :
( إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير ) ( يثقفوكم ) يظفروا بكم ويتمكنوا منكم ( يكونوا لكم ) في غاية العداوة ، وهو قول ، وقال ابن عباس مقاتل : يظهروا عليكم يصادقوكم ( ويبسطوا إليكم أيديهم ) بالضرب ( وألسنتهم ) بالشتم ( وودوا ) أن ترجعوا إلى دينهم ، والمعنى أن أعداء الله لا يخلصون المودة لأولياء الله لما بينهم من المباينة ( لن تنفعكم أرحامكم ) لما عوتب حاطب على ما فعل اعتذر بأن له أرحاما ، وهي القرابات ، والأولاد فيما بينهم ، وليس له هناك من يمنع عشيرته ، فأراد أن يتخذ عندهم يدا ليحسنوا إلى من خلفهم بمكة من عشيرته ، فقال : ( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم ) الذين توالون الكفار من أجلهم ، وتتقربون إليهم مخافة عليهم ، ثم قال : ( يوم القيامة يفصل بينكم ) وبين أقاربكم وأولادكم فيدخل أهل الإيمان الجنة ، وأهل الكفر النار ( والله بما تعملون بصير ) أي بما عمل حاطب ، ثم في الآية مباحث :
الأول : ما قاله صاحب الكشاف : ( إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ) كيف يورد جواب الشرط مضارعا مثله ، ثم قال : ( وودوا ) بلفظ الماضي نقول : الماضي وإن كان يجري في باب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب فإن فيه نكتة ، كأنه قيل : وودوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم .
الثاني : ( يوم القيامة ) ظرف لأي شيء ؟ قلنا لقوله : ( لن تنفعكم ) أو يكون ظرفا لـ( يفصل ) وقرأ ابن كثير : يفصل بضم الياء وفتح الصاد ، ويفصل على البناء للفاعل وهو الله ، ونفصل بالنون .
الثالث : قال تعالى : ( والله بما تعملون بصير ) ولم يقل : خبير ، مع أنه أبلغ في العلم بالشيء ، والجواب : أن الخبير أبلغ في العلم والبصير أظهر منه فيه ، لما أنه يجعل عملهم كالمحسوس بحس البصر والله أعلم .