أما قوله : ( وما يكفر بها إلا الفاسقون ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : الكفر بها من وجهين :
أحدهما : جحودها مع العلم بصحتها .
والثاني : جحودها مع الجهل وترك النظر فيها والإعراض عن دلائلها ، وليس في الظاهر تخصيص فيدخل الكل فيه .
المسألة الثانية : الفسق في اللغة خروج الإنسان عما حد له ، قال الله تعالى : ( إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ) [ الكهف : 50 ] وتقول العرب للنواة : إذا خرجت من الرطبة عند سقوطها فسقت النواة ، وقد يقرب من معناه الفجور لأنه مأخوذ من فجور السد الذي يمنع الماء من أن يصير إلى الموضع الذي يفسد [ إذا صار إليه ] فشبه تعدي الإنسان ما حد له إلى الفساد بالذي فجر السد حتى صار إلى حيث يفسد . فإن قيل : أليس أن صاحب الصغيرة تجاوز أمر الله ولا يوصف بالفسق والفجور ؟ قلنا : إنه إنما يسمى بهما كل أمر يعظم من الباب الذي ذكرنا لأن من فتح من النهر نقبا يسيرا لا يوصف بأنه فجر ذلك النهر وكذلك الفسق إنما يقال إذا عظم التعدي . إذا ثبت هذا فنقول في قوله : ( الفاسقون ) وجهان :
أحدهما : أن فكأن ذكر الفاسق يأتي على الكافر وغيره فكان أولى . كل كافر فاسق ولا ينعكس
الثاني : أن يكون المراد ما يكفر بها إلا الكافر المتجاوز عن كل حد في كفره والمعنى أن هذه الآيات لما كانت بينة ظاهرة لم يكفر بها إلا الكافر الذي يبلغ في الكفر إلى النهاية القصوى وتجاوز عن كل حد مستحسن في العقل والشرع .