( ولا تخسروا الميزان ) .
ثم قال : ( ولا تخسروا الميزان ) أي . والميزان ذكره الله تعالى ثلاث مرات كل مرة بمعنى آخر ، فالأول هو الآلة ( لا تنقصوا الموزون ووضع الميزان ) ، والثاني بمعنى المصدر لا تطغوا في الميزان أي الوزن ، والثالث للمفعول : ( ولا تخسروا الميزان ) أي الموزون ، وذكر الكل بلفظ الميزان لما بينا أن الميزان أشمل للفائدة ، وهو كالقرآن ذكره الله تعالى بمعنى المصدر في قوله تعالى : ( فاتبع قرآنه ) [ القيامة : 18 ] وبمعنى المقروء في قوله : ( إن علينا جمعه وقرآنه ) [ القيامة : 17 ] وبمعنى الكتاب الذي فيه المقروء في قوله تعالى : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) [ الرعد : 31 ] فكأنه آلة ومحل له ، وفي قوله تعالى : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) [ الحجر : 87 ] وفي كثير من المواضع ذكر القرآن لهذا الكتاب الكريم ، وبين القرآن والميزان مناسبة ، فإن القرآن فيه من العلم ما لا يوجد في غيره من الكتب ، والميزان فيه من العدل ما لا يوجد في غيره [ ص: 82 ] من الآلات ، فإن قيل : ما الفائدة في تقديم السماء على الفعل حيث قال : ( والسماء رفعها ) وتقديم الفعل على الميزان حيث قال : ( ووضع الميزان ) ؟ نقول : قد ذكرنا مرارا أن في كل كلمة من كلمات الله فوائد لا يحيط بها علم البشر إلا ما ظهر ، والظاهر ههنا أنه تعالى لما عد النعم الثمانية كما بينا ، وكان بعضها أشد اختصاصا بالإنسان من بعض ، فما كان شديد الاختصاص بالإنسان قدم فيه الفعل ، كما بينا أن الإنسان يقول : أعطيتك الألوف وحصلت لك العشرات ، فلا يصرح في القليل بإسناد الفعل إلى نفسه ، وكذلك يقول في النعم المختصة : أعطيتك كذا ، وفي التشريك ، وصل إليك مما اقتسمتم بينكم كذا ، فيصرح بالإعطاء عند الاختصاص ، ولا يسند الفعل إلى نفسه عند التشريك ، فكذلك ههنا ذكر أمورا أربعة بتقديم الفعل ، قال تعالى : ( علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ) ووضع الميزان ) [ الرحمن : 7 ] وأمورا أربعة بتقديم الاسم ، قال تعالى : ( الشمس والقمر والنجم والشجر والسماء رفعها والأرض وضعها ) لما أن تعليم القرآن نفعه إلى الإنسان أعود ، وخلق الإنسان مختص به ، وتعليمه البيان كذلك ووضع الميزان كذلك ، لأنهم هم المنتفعون به الملائكة ، ولا غير الإنسان من الحيوانات ، وأما الشمس والقمر والنجم والشجر والسماء والأرض فينتفع به كل حيوان على وجه الأرض وتحت السماء .