المسألة الثانية والأربعون :
، وجوهر النفس في أصل الخلقة عار عن هذين الكمالين ، ولا يمكنها اكتساب هذه الكمالات إلا بواسطة هذا البدن ، فصار تخليق هذا البدن مطلوبا لهذه الحكمة ، ثم إن مصالح هذا البدن ما كانت تتم إلا إذا كان القلب ينبوعا للحرارة الغريزية ، ولما كانت هذه الحرارة قوية احتاجت إلى الترويح لأجل التعديل ، فدبر الخالق الرحيم الحكيم هذا المقصود بأن جعل للقلب قوة انبساط بها يجذب الهواء البارد من خارج البدن إلى نفسه ، ثم إذا بقي ذلك الهواء في القلب لحظة تسخن واحتد وقويت حرارته ، فاحتاج القلب إلى دفعه مرة أخرى ، وذلك هو الانقباض فإن القلب إذا انقبض انعصر ما فيه من الهواء وخرج إلى الخارج ، فهذا هو الحكمة في جعل الحيوان متنفسا ، والمقصود بالقصد الأول هو تكميل جوهر النفس بالعلم والعمل ، فوقع تخليق البدن في المرتبة الثانية من المطلوبية ، ووقع تخليق القلب وجعله منبعا للحرارة الغريزية في المرتبة الثالثة ، ووقع إقدار القلب على الانبساط الموجب لانجذاب الهواء الطيب من الخارج لأجل الترويح في المرتبة الرابعة ، ووقع إقدار القلب على الانقباض الموجب لخروج ذلك الهواء المحترق في المرتبة الخامسة ، ووقع صرف ذلك [ ص: 33 ] الهواء الخارج عند انقباض القلب إلى مادة الصوت في المرتبة السادسة ، ثم إن المقدر الحكيم والمدبر الرحيم جعل هذا الأمر المطلوب على سبيل الغرض الواقع في المرتبة السابعة مادة للصوت ، وخلق محابس ومقاطع للصوت في الحلق واللسان والأسنان والشفتين ، وحينئذ يحدث بذلك السبب هذه الحروف المختلفة ، ويحدث من تركيباتها الكلمات التي لا نهاية لها ، ثم أودع في هذا النطق والكلام حكما عالية وأسرارا باهرة عجزت عقول الأولين والآخرين عن الإحاطة بقطرة من بحرها وشعلة من شمسها ، فسبحان الخالق المدبر بالحكمة الباهرة والقدرة الغير متناهية . كمال الإنسان في أن يعرف الحق لذاته ، والخير لأجل العمل به