ثم قال تعالى : ( قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : أجمعوا على أن المراد بهذا اليوم يوم القيامة ، والمعنى أن صدقهم في الدنيا ينفعهم في القيامة ، والدليل على أن المراد ما ذكرنا أن ، ألا ترى أن إبليس قال : ( صدق الكفار في القيامة لا ينفعهم إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم ) [إبراهيم : 22] فلم ينفعه هذا الصدق ، وهذا الكلام لعيسى في قوله : ( تصديق من الله تعالى ما قلت لهم إلا ما أمرتني به ) .
المسألة الثانية : قرأ جمهور القراء ( يوم ) بالرفع ، وقرأ نافع بالنصب ، واختاره أبو عبيدة ، فمن قرأ بالرفع ، قال الزجاج : التقدير : هذا اليوم يوم منفعة الصادقين ، وأما النصب ففيه وجوه :
الأول على أنه ظرف لـ (قال) والتقدير : قال الله هذا القول لعيسى يوم ينفع .
الثاني : أن يكون التقدير : هذا الصدق واقع يوم ينفع [ ص: 115 ] الصادقين صدقهم ، ويجوز أن تجعل ظروف الزمان أخبارا عن الأحداث بهذا التأويل ، كقولك : القتال يوم السبت ، والحج يوم عرفة ، أي واقع في ذلك اليوم .
والثالث : قال الفراء : ( يوم ) أضيف إلى ما ليس باسم فبني على الفتح كما في يومئذ . قال البصريون : هذا خطأ لأن الظرف إنما يبنى إذا أضيف إلى المبني كقول النابغة :
على حين عاتبت المشيب على الصبا
بني ( حين ) لإضافته إلى المبني وهو الفعل الماضي ، وكذلك قوله : ( يوم لا تملك ) [الانفطار : 19] بني لإضافته إلى ( لا ) وهي مبنية ، أما هنا فالإضافة إلى معرب لأن (ينفع) فعل مستقبل ، والفعل المستقبل معرب ، فالإضافة إليه لا توجب البناء ، والله أعلم .