وهاهنا لطائف وفوائد : الفائدة الأولى : عادة المديون أنه إذا رأى صاحب الدين من البعد فإنه يفر منه ، والله الكريم يقول : عبادي ! أنتم غرمائي بكثرة ذنوبكم ، ولكن لا تفروا مني ، بل أقول : ( ففروا إلى الله ) [ الذاريات : 50 ] فإني أنا الذي أقضي ديونكم وأغفر ذنوبكم ، وأيضا الملوك يغلقون أبوابهم عن الفقراء دون الأغنياء ، وأنا أفعل ضد ذلك .
الفائدة الثانية : قال صلى الله عليه وسلم : ، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والطير والبهائم والهوام ، فبها يتعاطفون ويتراحمون ، وأخر تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة لله تعالى مائة رحمة . إن
وأقول : إنه صلى الله عليه وسلم إنما ذكر هذا الكلام على سبيل التفهيم ، وإلا فبحار الرحمة غير متناهية ، فكيف يعقل تحديدها بحد معين .
الفائدة الثالثة : قال صلى الله عليه وسلم :
؟ فيقولون : نعم يا رب ، فيقول الله تعالى : ولم ؟ فيقولون : رجونا عفوك وفضلك ، فيقول الله تعالى : إني قد أوجبت لكم مغفرتي الله عز وجل يقول يوم القيامة للمذنبين : هل أحببتم لقائي . إن
الفائدة الرابعة : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عبد الله بن عمر إن ، كل واحد منها مثل مد البصر ، فيقول له : هل تنكر من هذا شيئا ؟ هل ظلمك الكرام الكاتبون ؟ فيقول : لا يا رب ، فيقول الله تعالى : فهل كان لك عذر في عمل هذه الذنوب ؟ فيقول : لا يا رب ، فيضع ذلك العبد قلبه على النار فيقول الله تعالى : إن لك عندي حسنة ، وإنه لا ظلم اليوم ، ثم يخرج بطاقة فيها " أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن الله عز وجل ينشر على بعض عباده يوم القيامة تسعة وتسعين سجلا محمدا رسول الله " فيقول العبد : يا رب ، كيف تقع هذه البطاقة في مقابلة هذه السجلات ؟ فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة أخرى ، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع ذكر الله شيء .
الفائدة الخامسة : من هذه المرأة بابنها فإن الله تعالى أرحم بكم جميعا ، فتفرق المسلمون على أعظم أنواع الفرح والبشارة . وقف صبي في بعض الغزوات ينادى عليه في من يزيد في يوم صائف شديد الحر ، فبصرت به امرأة ، فعدت إلى الصبي وأخذته وألصقته إلى بطنها ، ثم ألقت ظهرها على البطحاء ، وأجلسته على بطنها تقيه الحر ، وقالت : ابني ، ابني ، فبكى الناس ، وتركوا ما هم فيه ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف عليهم ، فأخبروه الخبر ، فقال : أعجبتم من رحمة هذه بابنها ؟
المسألة الثالثة : في ، قال بعضهم : هذه اللفظة ليست عربية ، بل عبرانية أو سريانية ، فإنهم يقولون إلها رحمانا ومرحيانا ، فلما عرب جعل " الله الرحمن الرحيم " وهذا بعيد ، ولا يلزم من المشابهة الحاصلة بين اللغتين الطعن في كون هذه اللفظة عربية أصلية ، والدليل عليه قوله تعالى : ( كيفية اشتقاق هذه اللفظة بحسب اللغة ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) [ لقمان : 25 ] وقال تعالى : [ ص: 137 ] ( هل تعلم له سميا ) [ مريم : 65 ] وأطبقوا على أن المراد منه لفظة " الله " وأما الأكثرون فقد سلموا كونها لفظة عربية ، أما القائلون بأن هذا اللفظ اسم علم لله تعالى فقد تخلصوا عن هذه المباحث ، وأما المنكرون لذلك فلهم قولان : قال الكوفيون : أصل هذه اللفظة إلاه ، فأدخلت الألف واللام عليها للتعظيم ، فصار الإلاه ، فحذفت الهمزة استثقالا ، لكثرة جريانها على الألسنة ، فاجتمع لامان ، فأدغمت الأولى فقالوا : " الله " وقال البصريون أصله لاه ، فألحقوا بها الألف واللام فقيل : " الله " وأنشدوا :
كحلفة من أبي رباح يسمعها لاهه الكبار
فأخرجه على الأصل .المسألة الرابعة : قال الخليل : أطبق جميع الخلق على أن ، وكذلك قولنا الإله مخصوص به سبحانه وتعالى ، وأما الذين كانوا يطلقون اسم الإله على غير الله فإنما كانوا يذكرونه بالإضافة كما يقال : إله كذا ، أو ينكرونه فيقولون : " إله " كما قال الله تعالى خبرا عن قوم قولنا " الله " مخصوص بالله سبحانه وتعالى موسى : ( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ) [ الأعراف : 138 ] .
المسألة الخامسة : اعلم أن هذا الاسم مختص بخواص لم توجد في سائر أسماء الله تعالى ، ونحن نشير إليها ( فالخاصة الأولى ) أنك " بقي الباقي على صورة " لله " ، وهو مختص به سبحانه ، كما في قوله : ( إذا حذفت الألف من قولك : " الله ولله جنود السماوات والأرض ) [ الفتح : 4 ] ، ( ولله خزائن السماوات والأرض ) [ المنافقون : 7 ] وإن حذفت عن هذه البقية اللام الأولى بقيت البقية على صورة " له " كما في قوله تعالى : ( له مقاليد السماوات والأرض ) [ الزمر : 63 ] وقوله : ( له الملك وله الحمد ) [ التغابن : 1 ] فإن حذفت اللام الباقية كانت البقية هي قولنا " هو " وهو أيضا يدل عليه سبحانه كما في قوله : ( قل هو الله أحد ) [ الإخلاص : 1 ] وقوله : ( هو الحي لا إله إلا هو ) [ غافر : 65 ] والواو زائدة ، بدليل سقوطها في التثنية والجمع ؛ فإنك تقول : هما ، هم ، فلا تبقي الواو فيهما ، فهذه الخاصية موجودة في لفظ " الله " غير موجودة في سائر الأسماء ، وكما حصلت هذه الخاصية بحسب اللفظ فقد حصلت أيضا بحسب المعنى ، فإنك إذا دعوت الله بالرحمن فقد وصفته بالرحمة وما وصفته بالقهر ، وإذا دعوته بالعليم فقد وصفته بالعلم وما وصفته بالقدرة ، وأما إذا قلت يا الله فقد وصفته بجميع الصفات ؛ لأن الإله لا يكون إلها إلا إذا كان موصوفا بجميع هذه الصفات ، فثبت أن قولنا : الله ، قد حصلت له هذه الخاصية التي لم تحصل لسائر الأسماء .
الخاصية الثانية : أن وهي الكلمة التي بسببها ينتقل الكافر من الكفر إلى الإسلام ، لم يحصل فيها إلا هذا الاسم ، فلو أن الكافر قال : أشهد أن لا إله إلا الرحمن أو إلا الرحيم أو إلا الملك أو إلا القدوس - لم يخرج من الكفر ولم يدخل في الإسلام ، أما إذا قال أشهد أن لا إله إلا الله فإنه يخرج من الكفر ويدخل في الإسلام ، وذلك يدل على اختصاص هذا الاسم بهذه الخاصية الشريفة ، والله الهادي إلى الصواب . كلمة الشهادة