المسألة الثانية في دلائل مثبتي القول بالصفات : اعلم أنه ثبت أن ، فنقول يمتنع أن يكون علمه وقدرته نفس تلك الذات ، ويدل عليه وجوه . إله العالم يجب أن يكون عالما قادرا حيا
( الأول ) أنا ندرك تفرقة ضرورية بديهية بين قولنا : ذات الله ذات ، وبين قولنا : ذات الله عالمة قادرة وذلك يدل على أن كونه عالما قادرا ليس نفس تلك الذات .
( الثاني ) أنه يمكن العلم بكونه موجودا مع الذهول عن كونه قادرا وعالما ، وكذلك يمكن أن يعلم كونه قادرا مع الذهول عن كونه عالما ، وبالعكس وذلك يدل على أنه كونه عالما قادرا ليس نفس تلك الذات .
( الثالث ) أن كونه عالما عام التعلق بالنسبة إلى الواجب والممتنع والممكن وكونه قادرا ليس عام التعلق [ ص: 114 ] بالنسبة إلى الأقسام الثلاثة ، بل هو مختص بالجائز فقط ، ولولا الفرق بين العلم وبين القدرة وإلا لما كان كذلك .
( الرابع ) أن كونه تعالى قادرا يؤثر في وجود المقدور ، وكونه عالما لا يؤثر ، ولولا المغايرة وإلا لما كان كذلك .
( الخامس ) أن قولنا : موجود ، يناقضه قولنا : ليس بموجود ، ولا يناقضه قولنا : ليس بعالم ، وذلك يدل على أن المنفي بقولنا : ليس بموجود مغاير للمنفي بقولنا : ليس بعالم ، وكذا القول في كونه قادرا .
فهذه دلائل واضحة على أنه لا بد من الإقرار بوجود الصفات لله تعالى ، إلا أنه بقي أن يقال : لم لا يجوز أن تكون هذه الصفات صفات نسبية وإضافية فالمعنى من " كونه قادرا " كونه بحيث يصح منه الإيجاد ، وتلك الصحة معللة بذاته ، و " كونه عالما " معناه الشعور والإدراك ، وذلك حالة نسبية إضافية ، وتلك النسبية الحاصلة معللة بذاته المخصوصة ، وهذا تمام الكلام في هذا الباب .