المسألة السابعة : اعلم أن عموم قوله تعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) زعموا أنه مخصوص في صور أربعة : أحدها : أن . وثانيها : أن الحر والعبد لا يتوارثان . وثالثها : أنه القاتل على سبيل العمد لا يرث ، وهذا خبر تلقته الأمة بالقبول وبلغ حد المستفيض ، ويتفرع عليه فرعان . لا يتوارث أهل ملتين
الفرع الأول : اتفقوا على أن الكافر لا يرث من المسلم ، أما ؟ ذهب الأكثرون إلى أنه أيضا لا يرث ، وقال بعضهم : إنه يرث قال المسلم فهل يرث من الكافر : قضى الشعبي معاوية بذلك وكتب به إلى زياد ، فأرسل ذلك زياد إلى شريح القاضي وأمره به ، وكان شريح قبل ذلك يقضي بعدم التوريث ، فلما أمره زياد [ ص: 170 ] بذلك كان يقضي به ويقول : هكذا قضى أمير المؤمنين .
حجة الأولين عموم قوله عليه السلام : " " وحجة القول الثاني : ما روي لا يتوارث أهل ملتين معاذا كان باليمن فذكروا له أن يهوديا مات وترك أخا مسلما فقال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الإسلام يزيد ولا ينقص " ثم أكدوا ذلك بأن قالوا : إن ظاهر قوله : ( أن يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) يقتضي توريث الكافر من المسلم ، والمسلم من الكافر ، إلا أنا خصصناه بقوله عليه الصلاة والسلام : " " ؛ لأن هذا الخبر أخص من تلك الآية ، والخاص مقدم على العام فكذا ههنا قوله : " لا يتوارث أهل ملتين " أخص من قوله : " الإسلام يزيد ولا ينقص " فوجب تقديمه عليه ، بل هذا التخصيص أولى ؛ لأن ظاهر هذا الخبر متأكد بعموم الآية ، والخبر الأول ليس كذلك ، وأقصى ما قيل في جوابه : أن قوله : " لا يتوارث أهل ملتين " ليس نصا في واقعة الميراث فوجب حمله على سائر الأحوال . الإسلام يزيد ولا ينقص
الفرع الثاني : ، بل يكون لبيت المال ، أما المال الذي اكتسبه حال كونه مسلما ففيه قولان : قال المسلم إذا ارتد ثم مات أو قتل ، فالمال الذي اكتسبه في زمان الردة أجمعوا على أنه لا يورث : لا يورث بل يكون لبيت المال ، وقال الشافعي : يرثه ورثته من المسلمين ، حجة أبو حنيفة أنا أجمعنا على ترجيح قوله عليه السلام : " الشافعي " على عموم قوله : ( لا يتوارث أهل ملتين للذكر مثل حظ الأنثيين ) والمرتد وورثته من المسلمين أهل ملتين ، فوجب أن لا يحصل التوارث .
فإن قيل : لا يجوز أن يقال : إن المرتد زال ملكه في آخر الإسلام وانتقل إلى الوارث ، وعلى هذا التقدير فالمسلم إنما ورث عن المسلم لا عن الكافر .
قلنا : لو ورث المسلم من المرتد لكان إما أن يرثه حال حياة المرتد أو بعد مماته ، والأول باطل ، ولا يحل له أن يتصرف في تلك الأموال لقوله تعالى : ( إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ) [ المؤمنون : 6 ] وهو بالإجماع باطل . والثاني : باطل ؛ لأن المرتد عند مماته كافر فيفضي إلى حصول التوارث بين أهل ملتين ، وهو خلاف الخبر . ولا يبقى ههنا إلا أن يقال : إنه يرثه بعد موته مستندا إلى آخر جزء من أجزاء إسلامه ، إلا أن القول بالاستناد باطل ، لأنه لما لم يكن الملك حاصلا حال حياة المرتد ، فلو حصل بعد موته على وجه صار حاصلا في زمن حياته لزم إيقاع التصرف في الزمان الماضي ، وذلك باطل في بداهة العقول ، وإن فسر الاستناد بالتبيين عاد الكلام إلى أن الوارث ورثه من المرتد حال حياة المرتد ، وقد أبطلناه . . والله أعلم .
الموضع الرابع : من تخصيصات هذه الآية ما هو مذهب أكثر المجتهدين أن الأنبياء عليهم السلام لا يورثون ، والشيعة خالفوا فيه ، روي أن فاطمة عليها السلام لما طلبت الميراث ومنعوها منه ، احتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام : " " فعند هذا احتجت نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة فاطمة عليها السلام بعموم قوله : ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) وكأنها أشارت إلى أن عموم القرآن لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد ، ثم إن الشيعة قالوا : بتقدير أن يجوز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد إلا أنه غير جائز ههنا ، وبيانه من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه على خلاف قوله تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) ( مريم : 6 ] وقوله تعالى : ( وورث سليمان داود ) [ النمل : 16 ] قالوا : ولا يمكن حمل ذلك على وراثة العلم والدين ؛ لأن ذلك لا يكون وراثة في الحقيقة . بل [ ص: 171 ] يكون كسبا جديدا مبتدأ ، إنما التوريث لا يتحقق إلا في المال على سبيل الحقيقة .
وثانيها : أن المحتاج إلى معرفة هذه المسألة ما كان إلا فاطمة وعلي والعباس وهؤلاء كانوا من أكابر الزهاد والعلماء وأهل الدين ، وأما أبو بكر فإنه ما كان محتاجا إلى معرفة هذه المسألة البتة ، لأنه ما كان ممن يخطر بباله أن يرث من الرسول عليه الصلاة والسلام فكيف يليق بالرسول عليه الصلاة والسلام أن يبلغ هذه المسألة إلى من لا حاجة به إليها ولا يبلغها إلى من له إلى معرفتها أشد الحاجة .
وثالثها : يحتمل أن قوله : " ما تركناه صدقة " صلة لقوله : " لا نورث " والتقدير : أن الشيء الذي تركناه صدقة ، فذلك الشيء لا يورث .
فإن قيل : فعلى هذا التقدير لا يبقى للرسول خاصية في ذلك .
قلنا : بل تبقى الخاصية لاحتمال أن ، وهذا المعنى مفقود في حق غيرهم . الأنبياء إذا عزموا على التصدق بشيء فبمجرد العزم يخرج ذلك عن ملكهم ولا يرثه وارث عنهم
والجواب : أن فاطمة عليها السلام رضيت بقول أبي بكر بعد هذه المناظرة ، وانعقد الإجماع على صحة ما ذهب إليه أبو بكر فسقط هذا السؤال . والله أعلم .