السبب الثالث لقبح هذه المخالطة : قوله تعالى : ( وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ) والمعنى : أنه حتى تبلغ تلك الشدة إلى عض الأنامل ، كما يفعل ذلك أحدنا إذا اشتد غيظه وعظم حزنه على فوات مطلوبه ، ولما كثر هذا الفعل من الغضبان ، صار ذلك كناية عن الغضب حتى يقال في الغضبان : إنه يعض يده غيظا وإن لم يكن هناك عض ، قال المفسرون : وإنما حصل لهم هذا الغيظ الشديد لما رأوا من ائتلاف المؤمنين واجتماع كلمتهم وصلاح ذات بينهم . إذا خلا بعضهم ببعض أظهروا شدة العداوة ، وشدة الغيظ على المؤمنين
ثم قل موتوا بغيظكم ) وهو دعاء عليهم بأن يزداد غيظهم حتى يهلكوا به ، والمراد من ازدياد الغيظ ازدياد ما يوجب لهم ذلك الغيظ من قوة الإسلام وعزة أهله وما لهم في ذلك من الذل والخزي . قال تعالى : (
فإن قيل : قوله : ( قل موتوا بغيظكم ) أمر لهم بالإقامة على الغيظ ، وذلك الغيظ كفر ، فكان هذا أمرا بالإقامة على الكفر وذلك غير جائز .
قلنا : قد بينا أنه دعاء بازدياد ما يوجب هذا الغيظ وهو قوة الإسلام ، فسقط السؤال :
وأيضا فإنه دعاء عليهم بالموت قبل بلوغ ما يتمنون .
ثم قال : ( إن الله عليم بذات الصدور ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ( ذات ) كلمة وضعت لنسبة المؤنث كما أن ( ذو ) كلمة وضعت لنسبة المذكر والمراد بذات الصدور الخواطر القائمة بالقلب والدواعي والصوارف الموجودة فيه وهي لكونها حالة في القلب منتسبة إليه فكانت ذات الصدور ، والمعنى . أنه تعالى عالم بكل ما حصل في قلوبكم من الخواطر والبواعث والصوارف
المسألة الثانية : قال صاحب " الكشاف " يحتمل أن تكون هذه الآية داخلة في جملة المقول ، وأن لا تكون . أما الأول : فالتقدير : أخبرهم بما يسرونه من عضهم الأنامل غيظا إذا خلوا وقل لهم : إن الله عليم بما هو أخفى مما تسرونه بينكم ، وهو مضمرات الصدور ، فلا تظنوا أن شيئا من أسراركم يخفى عليه . أما الثاني : وهو أن لا يكون داخلا في المقول فمعناه : قل لهم ذلك يا محمد ولا تتعجب من إطلاعي إياك على ما يسرون ، فإني أعلم ما هو أخفى من ذلك ، وهو ما أضمروه في صدورهم ولم يظهروه بألسنتهم ويجوز أن لا يكون ، ثم قول وأن يكون قوله : ( قل موتوا بغيظكم ) أنهم يهلكون غيظا بإعزاز الإسلام وإذلالهم به ، كأنه قيل : حدث نفسك بذلك ، والله تعالى أعلم . أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بطيب النفس وقوة الرجاء والاستبشار بوعد الله إياه