( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين )
ثم قال تعالى : ( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في هذه الآية قولان :
القول الأول : أنها كلام مستقل بنفسه ووعيد عام في حق كل من كفر بالله ، ولا تعلق له بما قبله .
القول الثاني : أنه متعلق بما قبله ، والقائلون بهذا القول منهم من حمله على تارك الحج ومنهم من حمله على من لم يعتقد وجوب الحج ، أما الذين حملوه على فقد عولوا فيه على ظاهر الآية ، فإنه لما تقدم الأمر بالحج ثم أتبعه بقوله : ( تارك الحج ومن كفر ) فهم منه أن هذا الكفر ليس إلا ترك ما تقدم الأمر به ، ثم إنهم أكدوا هذا الوجه بالأخبار ، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " وعن من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أبي أمامة " وعن من مات ولم يحج حجة الإسلام ولم تمنعه حاجة ظاهرة أو مرض حابس أو سلطان جائر فليمت على أي حال شاء يهوديا أو نصرانيا : لو مات جار لي وله ميسرة ولم يحج لم أصل عليه ، فإن قيل : كيف يجوز الحكم عليه بالكفر بسبب ترك الحج ؟ سعيد بن جبير
أجاب القفال رحمه الله تعالى عنه : يجوز أن يكون المراد منه التغليظ ، أي قد قارب الكفر وعمل ما يعمله من كفر بالحج ، ونظيره قوله تعالى : ( وبلغت القلوب الحناجر ) [ الأحزاب : 10 ] أي كادت تبلغ ، ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام : " " وقوله عليه الصلاة والسلام : " من ترك صلاة متعمدا فقد كفر " وأما الأكثرون : فهم الذين حملوا هذا الوعيد على من أتى امرأة حائضا أو في دبرها فقد كفر ، قال من ترك اعتقاد وجوب الحج الضحاك : لما نزلت آية الحج جمع الرسول صلى الله عليه وسلم أهل الأديان الستة المسلمين ، والنصارى واليهود والصابئين والمجوس والمشركين فخطبهم وقال : " إن الله تعالى كتب عليكم الحج فحجوا " فآمن به المسلمون وكفرت به الملل الخمس ، وقالوا : لا نؤمن به ، ولا نصلي إليه ، ولا نحجه ، فأنزل الله تعالى قوله : ( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) وهذا القول هو الأقوى .